وقوله: أبيض: أي: نقيّ العرض. وحسّان: صيغة مبالغة من الحسن، مثل كبّار.
والشاهد في البيت الأول: إيّانا: فهو ضمير منفصل، وضعه موضع الضمير المتصل، لأنه لا يمكنه أن يأتي بالمتصل فيقول (نقتلنا) لأن الفعل لا يتعدى فاعله إلى ضميره، إلا أن يكون من أفعال القلوب. فأنت لا تقول: ضربتني، ولا أضربني ولا ضربتك، بفتح التاء، ولكن تقول: ضربت نفسي، وضربت نفسك، وذلك لئلا يكون الفاعل مفعولا في اللفظ، وأجازوا هذا في أفعال القلوب، فتقول: حسبتني في الدار. وفي فعلين آخرين هما: عدمتني، وفقدتني فكان حقه أن يقول نقتل أنفسنا. والمسوّغ لقوله: نقتل إيانا:
وقوع الضمير بعد معنى (إلا) وهو شاذ. وقد جوّزوا هذا في الشعر، ومنعوه في النثر.
وفي البيت الثاني: نصب أبيض، وحسّانا، صفتين لكلّ ... ولو كان في النثر لجاز أن يقول «حسّانين» وصفا لكل على معناها، لأن لفظها واحد ومعناها جمع. وقال البغدادي:
يجوز جرهما صفتين لفتى، وفتحتهما نيابة عن الكسرة لأنهما ممنوعان من الصرف.
ولكننا نسلم برأي البغدادي في «أبيض» ولا نسلم به في «حسّان» لأنهم اتفقوا على أنها مبالغة في الحسن، ومعنى هذا أن النون أصلية، فكيف نمنعه من الصرف، لعله جعلها مثل «حسّان» بفتح الحاء، وفيه وجهان. [كتاب سيبويه ج ١/ ٢٧١، ٣٨٣، والخصائص ج ٢/ ١٩٤، والإنصاف ٦٩٩، وشرح المفصل ج ٣/ ١٠١].
ملاحظتان: الأولى: قولهم يجوز هذا في الشعر، ولا يجوز في النثر، يعجبني في الجواب عن هذا قول ابن فارس:«ما رأينا أميرا أو ذا شوكة أكرم شاعرا على ارتكاب ضرورة، فإمّا أن يأتي بشعر سالم، أو لا يعمل شيئا».
قال أبو أحمد: والقول بالضرورة الشعرية، من اصطلاحات النحويين ... ويقولون ذلك عند ما يجدون كلمة في بيت شعر خالفت ما وصلهم من الشواهد. تقول: وهل وصلهم كلّ ما قال العرب من الشعر؟
الملاحظة الثانية: البيتان المثبتان شاهدين: من الهزج، وهذا البحر قليل جدا. في الشعر القديم ... وإذا صحت نسبة الأبيات إلى العصر الجاهلي، فإنها تثبت أن بعض الأشعار كانوا يقولونها للغناء والإنشاد المصحوب بالرقص الجماعي، أو الرقص