المجددين (أو الشعوبيين) يعيبون معاصريهم بالوقوف على الأطلال؛ لأن وقوفهم على الأطلال كان تقليدا - ولم ينقل عن هؤلاء المجددين أنهم عابوا الجاهليين لوقوفهم على الأطلال؛ لأن وقوفهم على الأطلال كان جزءا من حياتهم وبيئتهم.
فقال أبو نواس:
مالي بدار خلت من أهلها شغل ... ولا شجاني لها أهل ولا طلل
يريد أنه لم يتعلق قلبه بأطلال ليذكرها في شعره، ومعنى هذا أن الجاهليين إنما ذكروا الأطلال لصلتها بذكرى الأحبّة.
وقال بشار بن برد - وفيها دليل على إيمانه بالبعث -:
كيف يبكي لمحبس في طلول ... من سيبكي لحبس يوم طويل
إنّ في البعث والحساب لشغلا ... عن وقوف برشم دار محيل
... وهو بهذا يعيب الشعراء المسلمين الذين يقفون على الأطلال.
* ومما يدلّ على أن ذكر الجاهليين الأطلال كان حقيقيا يتصل بذكريات واقعة، أنّ أسماء النساء المذكورات في الشعر إنما هي لنساء لهنّ وجود حقيقيّ: فعنترة يقول:
يا دار عبلة بالجواء تكلمي ... وعمي صباحا دار عبلة واسلمي
وعبلة حقيقة واقعة في حياة عنترة.
و «خولة» صاحبة طرفة بن العبد التي ذكرها بقوله: «لخولة أطلال ببرقة ثهمد ...» قال الشّرّاح: خولة امرأة من بني كلب. وقالوا: إن «أم أوفى» في شعر زهير هي زوجه، و «هريرة» صاحبة الأعشى قينة كانت لرجل من آل عمرو.
* والبكاء على الأطلال أقدم من الشعر الذي وصلنا، وليس امرؤ القيس أول من وقف واستوقف، وبكى واستبكى على الأطلال كما يزعمون؛ لأن امرء القيس يقول:
عوجا على الطلل المحيل لعلّنا ... نبكي الديار كما بكى ابن خذام