المزيج مطلبا فنيا يرضي أذواقهم، وعلى هذا فهم يرون في هذه الألوان تآلفا.
وليس من العدل أن نحكم على أذواق الناس في الأدب والطعام واللباس بالقياس إلى أذواق عصرنا. فإذا رأى بعض الناس في أذواق الماضين ما لا يرضيهم، فإن الماضين أيضا - لو بعثوا وتذوقوا أدبنا، ومطعمنا، وملبسنا، لرأوا فيها ما لا يرضيهم.
قلت: إن الماضين يرون في هذا المزيج مطلبا فنيا، لأنهم كانوا يطلبون التوزيع المتناسق بين الألوان، بحيث يأخذ كلّ لون حقّه من اللوحة. ويرمز إلى هذا المعنى ما نقله ابن قتيبة في «الشعر والشعراء» ص ٢١: أن بعض الرّجاز أتى نصر بن سيّار، والي خراسان لبني أميّة، فمدحه بقصيدة تشبيبها مئة بيت ومديحها عشرة أبيات. فقال نصر: والله ما بقّيت كلمة عذبة ولا معنى لطيفا إلا وقد شغلته عن مديحي بتشبيبك، فإن أردت مديحي فأقصد في النسيب. فأتاه فأنشده:
هل تعرف الدار لأمّ الغمر ... دع ذا وحبّر مدحة في نصر
فقال نصر: لا ذلك ولا هذا، ولكن بين الأمرين.
٢ - أما قصيدة الفخر، فلا ينكر وحدتها إلا معاند، ذلك أنّ كلّ معانيها تعدّ من باب المفاخر عند القوم. فالمقدمة التي زعموا أنها مفصولة عن جسم القصيدة، لا تخرج عن الوقوف على الأطلال والغزل، وهما شيء واحد، ووصف مجالس الخمر، ووصف الراحلة، والطريق إلى المفاخر. وقد أجملها طرفة بن العبد في قوله:
ولولا ثلاث هنّ من عيشة الفتى ... وجدّك لم أحفل متى قام عوّدي