للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معنى معينا أوحت به عبارته التي نطق بها، فماذا قال الشاعر؟ وما المعنى الذي كان في نفسه؟ هذا الذي نريده؛ لأنه يربط بين المعنى والحال النفسية للشاعر، ويربط أيضا بين الشاعر والقارئ.

وكلّ التأويلات التي ذكروها تنصّ على أن البيت الأول مضمّن في البيت الثاني، والتضمين يعدونه من عيوب الشعر، وقد استدل به بعضهم على أنّ العرب يرون أن البيت وحدة القصيدة؛ لأنهم يرون التضمين عيبا.

قلت: وهذا استدلال لا يصحّ، وإنما عابوا التضمين؛ لأنه يفسد الإنشاد ويجبر القارئ على إنشاد بيتين متتاليين في نفس واحد؛ لإيصال المعنى، فهم يرون أن البيت الواحد يؤدي معنى جزئيا يمكن الوقوف عليه، ولكنه يحتاج إلى غيره، ويحتاج غيره إليه؛ لتكوين الصورة العامة للمعنى العام الذي يريد الشاعر أن يوصله عن طريق القصيدة كلها.

والبيتان المذكوران من قصيدة الأعشى، ليس بينهما تضمين.

فالشاعر في البيت الأول يريد أن يقول: إن بكاء الشيخ على الأطلال ليس مناسبا لحاله، فعليه أن ينشغل من الذكريات بغيره، ويتابع سؤاله الاستنكاري قائلا: وما سؤالي الأطلال عن ذكريات الصبا؟ وماذا ينفع سؤالي؟ والمسئول عنه هنا محذوف تقديره: وما سؤالي الأطلال؟ وماذا يفيدوني سؤال الأطلال؟ ثم يستأنف في البيت الثاني قائلا: دمنة قفرة، والتقدير: هي دمنة قفرة متبقية من آثار من كنت أعرف. فهو لا يريد أن يسأل الدمنة، ولا يريد أن يقول إن الدمنة لا ترد جواب سؤاله. وإنما أراد أن يخبر عن حال ما تبقى من الآثار.

ولهذا الشاهد قصة أدبية طريفة، قد تصدق، وقد تكذب، ولكنها لا تخلو من فائدة أدبية:

روى نقلة الأخبار، أن طليحة الأسدي (توفي حوالي ٢١ هـ) كان شريفا، وكان يفد على كسرى، فيكرمه ويدني مجلسه. قال طليحة: فوفدت على كسرى مرّة (لا نعلم أيّ كسرى) فوافقت عيدا من أعياد الفرس، فحضرت عند كسرى في جملة من حضر من أصحابه، فلما طعمنا وضع الشراب فطفقنا نشرب، فغنّى المغني:

<<  <  ج: ص:  >  >>