مبتدأ مؤخر، ودون: ظرف، كان صفة ل (أهلون)، فلما تقدم صار حالا منه. وسيد:
خبر مبتدأ محذوف، أي: هم سيد، والسّيد: بكسر السين، مشترك بين الأسد والذئب، ومراده هنا: الذئب؛ ولهذا عينه بالوصف فقال: عملّس، وهو القوي على السير السريع.
وأرقط: ما فيه نقط بياض وسواد، مشترك بين حيوانات، منها النمر والحية، وأراد النمر.
ولهذا وصفه بزهلول، وهو الأملس. والعرفاء: مؤنث الأعرف، ويقال للضبع: عرفاء؛ لكثرة شعر رقبتها، وجيأل: بدل من عرفاء، وهو اسم للضبع، معرفة بلا «ألف» و «لام».
يقول: اتخذت هذه الوحوش أهلا بدلا منكم؛ لأنها تحميني من الأعداء، ولا تخذلني في حال الضيق، وهذا تعريض بعشيرته في أنهم لا حماية لهم كهذه الحيوانات، ولا غيرة لهم على من جاورهم، وأكّد هذا المعنى في البيت التالي بقوله:
هم الأهل لا مستودع السّرّ ذائع ... لديهم ولا الجاني بما جرّ يخذل
قلت: وقد لخّص أحدهم ما قاله الشنفرى في البيت:
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى ... وصوّت رعيان فكدت أطير
قال أبو أحمد: وقصيدة الشنفرى، عجيبة في نسجها، فأنت تقرأ مطلعها وأبياتا بعده فتجدها تسيل عذوبة ورقة وسهولة، وتتدفق عاطفتها، فتأخذ بمجامع القلب المجرّب، فإذا أو غلت في قراءتها، صدمتك بخشونتها وغرابة ألفاظها، وهذه الظاهرة فيها قولان:
الأول: وفيه نحسن الظنّ، وننسب القصيدة إلى صاحبها؛ ذلك أن مطلع القصيدة يعبر الشاعر فيه عن نفسه المتألمة، فهو شعر ذاتي، يقدم لك قطعة من قلب الانسان.
والإنسان إذا تألم، عبّر صادقا، وكان شعره يمثل عاطفته. والعواطف لا يفترق فيها الناس، يستوي فيها الحضري، والبدوي، والمتوحش؛ لأن العواطف أودعها الله في كلّ إنسان. وأما خشونة القسم الثاني من القصيدة، فسببه أنه يصف البيئة البدوية الخشنة بصحرائها، وحيوانها. فهو يصف ما تراه عينه، ويقع ماثلا على الأرض دون أن يمتزج به.
والثاني: ربما كانت المقدمة مصنوعة؛ لأنها أشبه بشعر العصر العباسي، وبقية القصيدة هو الصحيح. وربما كان العكس. ومما شجعني على القول الأخير، أن القالي قال في أماليه: «إن القصيدة المنسوبة إلى الشنفرى التي أولها ... هي من المقدمات في الحسن