للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَا رَسُولَ اللهِ - بِنَفسِكَ! قَالَ: اقتَادُوا! فَاقتَادُوا رَوَاحِلَهُم شَيئًا،

ــ

والروح، والذي يفهم من مجموع ما في الكتاب والسنة وأقاويل علمائنا أن ذلك هو لطيفة مودعة في الأجساد مشاركة لجميع أجزائها التي تحلّها الحياة، يَتَأَتَّى إخراجها من الجسد وإدخالها فيه وقبضها منه، أجرى الله العادة بخلق الحياة في الجسد ما دامت فيه تلك اللطيفة، وهي القابلة للعلوم. والإنسان: هو الجسد وتلك اللطيفة.

وقد فرق الصوفية بين النفس والروح، فقالوا: النفس لطيفة مودعة في الجسم محل للأخلاق المعلولة، والروح محل للأخلاق المحمودة، وهو اصطلاح من قبلهم، ولا مشاحة في الاصطلاحات بعد فهم المعنى.

والنفس في اللغة مشترك يطلق على ما ذكرناه، ويطلق ويراد به وجود الشيء وذاته، ويطلق ويراد به الدّم. والروح يطلق على ما ذكر، وعلى جبريل إذ قد سماه الله تعالى روحًا في قوله: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ} ويحتمل أن يكون المراد بقوله في قوله تعالى: {تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ} وفي قوله: {قُلِ الرُّوحُ مِن أَمرِ رَبِّي} - على ما قاله ابن عباس في قوله {قُلِ الرُّوحُ}، وقد تقدم أن الروح مشتق من الريح.

وقوله قال: اقتادوا! فاقتادوا رواحلهم شيئًا، قال: استدل به بعض الحنفيين على أن الفرائض لا تقضى في هذا الوقت بهذا الحديث؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما ارتحل عن ذلك الموضع ليخرج الوقت المنهي عنه، وهذا تحكم، بل كما يحتمل ما ذكروه يحتمل أنه إنما كان ذلك ليعم النشاط جميعهم، وأبين من ذلك كله ما قد نص عليه من كراهية ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم ليأخذ كل رجل برأس راحلته، فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان، وقد زاد أبو داود في هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: تحوَّلوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>