للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هـ - إنّ قصة هذا البيت، تدلّ دلالة قاطعة على وحدة القصيدة العربية، وأنك لا تستطيع تقديم بيت على بيت، وأن كثيرا من القصائد إذا حذفت منها بيتا اختل التسلسل المعنوي، وقد رأيت أن النحويين ضلّوا طريق فهم البيت عند ما قرؤوه مفردا. ورحم الله عبد القادر البغدادي، فإنه أول من نقد وقوّم أبيات الشواهد النحوية في كتابه «خزانة الأدب» و «شرح أبيات مغني اللبيب»؛ لأنه كان عالما بالأدب، وينظر في البيت بذوق الأديب الناقد. ولذلك نجده ينسب البيت إلى صاحبه، ويرجع إلى قصيدة البيت في ديوان الشاعر، ويرى أن البيت لا يفهم وحده، فيقول: «ولا بدّ من شرح أبيات حتى يتضح المعنى» فذكر وشرح ما قبل البيت وما بعده، فكان مجموع الأبيات ثلاثة وعشرين بيتا، يظهر البيت حلقة منها، لا يفهم إلا بها، وتدرك بعد فهم الأبيات قوة ترابطها.

٣ - ومن أثر عناية النحويين بالكلمة المفردة، أو الجملة من البيت المفرد، أنهم قد يركّبون بيتا من بيتين لشاعرين. فقد أنشد ابن هشام في «المغني» هذا البيت، شاهدا للفصل بين «قد» والفعل بجملة القسم:

أخالد قد والله أوطئت عشوة ... وما قائل المعروف فينا يعنّف

- والبيت مركب من شعري شاعرين: فالشطر الأول، لأخي يزيد بن بلان البجلي، من ثلاثة أبيات يخاطب بها خالد بن عبد الله القسري، وهي بقافية القاف، والبيت هكذا:

أخالد قد والله أوطئت عشوة ... وما العاشق المسكين فينا بسارق

والشطر الثاني من قصيدة للفرزدق مطلعها:

عزفت بأعشاش وما كدت تعزف ... وأنكرت من حدراء ما كنت تعرف

وصدر البيت الذي أخذ شطره الثاني:

وما حلّ من جهل حبا حلمائنا ... وما قائل ...

<<  <  ج: ص:  >  >>