٤ - ومن الأدلة على أن النحويين يقنعون بالنظر في البيت المفرد، دون البحث عن القصيدة التي ينتمي إليها البيت: أنهم قد يروون القافية المرفوعة منصوبة والقافية المجرورة منصوبة، ويجعلون الشاهد في كلمة القافية المحرّفة. فقد أنشد سيبويه، البيت التالي شاهدا لنصب المضارع بعد «أو»:
وكنت إذا غمزت قناة قوم ... كسرت كعوبها أو تستقيما
وتوارد النحاة بعد سيبويه على روايته على الصورة التي رواها.
والبيت للشاعر زياد الأعجم، من أبيات هجا بها المغيرة بن حبناء التميمي، وهي ثمانية أبيات، خمسة منها قافيتها مرفوعة، ومنها البيت الشاهد، وهو هكذا:
«كسرت كعوبها أو تستقيم». وثلاثة أبيات قافيتها مجرورة، للإقواء. وهذه الأبيات نقلها صاحب الأغاني في ترجمة المغيرة، ونقلها عنه البغدادي في «شرح أبيات مغني اللبيب». وقال ابن منظور في «اللسان»: قال ابن بري: هكذا ذكر سيبويه هذا البيت، بنصب «تستقيم» بأو. قال: وهو في شعره «تستقيم» بالرفع، والأبيات ثلاثة لا غير. وأنشد بيتين مجروري القافية، ومعهما البيت الشاهد مرفوع القافية، للإقواء. وقال أهل العلم بالشعر: ولا يجوز أن ينشد بعض الأبيات منصوبا، وبعضها مرفوعا أو مجرورا، على طريق الإقواء؛ لأن الإقواء في الغالب إنما يكون بين المرفوع والمجرور، لما بينهما من المناسبة.
وأنشد سيبويه:
معاوي إننا بشر فأسجح ... فلسنا بالجبال ولا الحديدا
- بنصب «الحديدا» على أنه معطوف على محلّ الجار والمجرور، وهو قوله:«بالجبال» وهو خبر ليس والباء زائدة. والشاهد أول بيت في قصيدة للشاعر عقيبة بن هبيرة الأسدي، والأبيات التالية كلّها مخفوضة، حيث يقول بعده:
فهبنا أمة ذهبت ضياعا ... يزيد يسوسها وأبو يزيد
أتطمع في الخلود إذا هلكنا ... وليس لنا ولا لك من خلود