للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

د - ليست الحكمة قسما متميزا في القصيدة، ولا تستطيع أن تعدها بمنزلة المقدمة الغزلية في قصيدة المدح، بل هي من نسق القصيدة ومن سياقها المتّحد اللون والمذاق، فالحكمة في قصيدة الفخر مجموعة من التجارب التي جلبت لصاحبها المفاخر. فالشاعر علقمة بن عبدة في القصيدة التي مطلعها:

هل ما علمت وما استودعت مكتوم ... أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم

يفخر بحضوره مجلس الشراب، وينعت الخمر والإبريق، ويفخر بغلبته الأقران واشتراكه في الميسر، واختراقه المفاوز، وصبره على رديء الطعام والشراب، وبسيره في الهواجر ... وهذه المفاخر يجمعها الكرم والشجاعة .. وهو يقدّم لهذه المفاخر بأبيات في الحكمة، فيها دعوة إلى الشجاعة والكرم، ونبذ البخل والخوف. وحضور مجالس الشراب من مظاهر الكرم عند طائفة من الجاهليين. ومما قاله في أبيات الحكمة:

والحمد لا يشترى إلّا له ثمن ... مما يضنّ به الأقوام معلوم

والجود نافية للمال مهلكة ... والبخل باق لأهليه ومذموم

ومن تعرّض للغربان يزجرها ... على سلامته لا بدّ مشؤوم

وكلّ حصن وإن طالت سلامته ... على دعائمه لا بدّ مهدوم

وفي قصيدة الرثاء يمزج الشاعر نظرته إلى الحياة بالرثاء في صورة حكم. استمع إلى لبيد بن ربيعة يرثي أخاه أربد حيث يقول:

بلينا وما تبلى النجوم الطوالع ... وتبقى الجبال بعدنا والمصانع

وما الناس إلا كالديار وأهلها ... بها يوم حلّوها وغدوا بلاقع

وما المرء إلا كالشهاب وضوئه ... يحور رمادا بعد إذ هو ساطع

وما المال والأهلون إلا ودائع ... ولا بدّ يوما أن تردّ الودائع

وما الناس إلا عاملان فعامل ... يتبّر ما يبني وآخر رافع

فمنهم سعيد آخذ بنصيبه ... ومنهم شقيّ بالمعيشة قانع

وفيما سبق من الملاحظات قدمنا أنموذجا للحكمة في قصيدة زهير، ورأينا أنها متصلة بموضوع القصيدة، وممتزجة مع معانيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>