البيت لأبي ذؤيب الهذلي من قصيدته العينية المشهورة في رثاء أولاده، ورقم البيت (٢٧) في القصيدة. وقوله: وردن الماء، يتحدث عن أتن وردت الماء. والعيوق:
كوكب. والمقعد: مكان القعود هنا. والرابئ: مهموز الآخر، اسم فاعل من ربأبهم، بمعنى علا وارتفع وأشرف، ورابئ الضرباء: هو الذي يقعد خلف ضارب قداح الميسر، يرتبئ لهم فيما يخرج من القداح فيخبرهم به، مأخوذ من ربيئة القوم، وهو طليعتهم.
والضرباء: جمع ضريب، وهو الذي يضرب بالقداح، وهو الموكّل بها، ويقال له الضارب أيضا. والنجم هنا: الثريا. ويتتلع: يتقدم ويرتفع، مأخوذ من التلعة. فقوله: والعيوق مقعد: جملة اسمية حال من نون وردن. يقول: وردت الأتن الماء، والعيوق في هذا المكان، وهذا يكون في صميم الحرّ عند الإسحار. وخلف: ظرف. وإذا كان العيوق خلف الثريا كما وصف، يكون وقت ورود الوحش الماء؛ ولذلك يكنّ الصيادون فيه عند المشارع ونواحيها.
و «مقعد»، و «خلف»: منصوبان على الظرف، وقع الأول خبرا لقوله: والعيوق، والثاني بدلا منه، كأنه قال: والعيوق من خلف النجم مقعد ... كذا، فحذف من خلف؛ لأن البدل (خلف النجم) يدل عليه. ويجوز أن يكون «خلف النجم» في موضع الحال، كأنه قال: والعيوق من النجم قريب متخلفا عنه. ويجوز العكس، فيكون «خلف النجم» خبر المبتدأ، و «مقعد» حالا. والعامل فيه الظرف. كأنه قال: والعيوق مستقر خلف النجم قريبا. وجملة «لا يتتلع»، إما خبر بعد خبر، وإما حال بعد حال.
والشاهد: أنّ «مقعد» ظرف منصوب وقع خبرا عن اسم عين، وهو العيوق. وفيه شاهد أن «النجم» بالتعريف علم على الثريا.
قال أبو أحمد: وهذا البيت الشاهد، ومثله مئات بل آلاف من الشواهد، لا يفهم إلا في سياقه، وقراءة ما قبله وما بعده، فكيف حكم النّقاد، نقاد الأدب، أن البيت وحدة القصيدة العربية، وأن القصيدة بسبب هذا الحكم، مفككة الأوصال؟ لا أدري من أول جاهل نطق بالحكم، وتبعه من بعده دون تحقيق؟ فقول الشاعر هنا، «فوردن»، كيف نعلم من اللاتي وردن، إذا لم نقرأ أن الشاعر يصف حمارا مع أتنه الأربعة؟ وما الذي يدرينا ماذا تمّ بعد الورود؟ فالإخبار بأنّ هذه الأتن وردت الماء في هذا الوقت، لا معنى له، إن لم نعرف سبب الإخبار، فهو يخبرنا أن هذه الأتن وردت الماء، فجاء صائد، فصادهنّ جميعهنّ. ومع ذلك يمكن أن يقول القارئ: وما فائدة هذه القصة، ولماذا ذكرها الشاعر