في قصيدة رثاء؟ وما علاقة هذه الأتن برثاء أولاده؟ قلت: إن هذه واحدة من ثلاث قصص ذكرها الشاعر في سياق الرثاء.
١ - فقد بدأ القصيدة ببيت جامع يقول: إن الجزع لا يردّ مفقودا.
٢ - ثم أدار حديثا بينه وبين امرأة تسائله عن شجونه وأرقه، فيروي لها حزنه وألمه لهذه النكبة من ٢ - ١٥.
٣ - ثم يذكر قصة حمار وحشي مع أتنه الأربعة، ويصف حياتها وطيب عيشها، ثم جاءها الدهر بنوائبه، وهو يسلّي نفسه بهذه القصة ويقول: إن أصبت ببنيّ، فتكدر بموتهم عيشي، فغنّ الدهر لا يسلم على نوائبه عير له أتن أربع. والمعنى: أن الوحش في تباعدها عن كثير من الآفات التي يقاربها الإنس، وفي انصرافها بطبعها، وحدسها عن جلّ مراصد الدهر، وعلى نفارها الشديد وحذارها الكثير، وبعد مراتعها من الصياد، ليست تتخلص بجهدها من حوادث الدهر، بل لا بدّ من هلاكها من ١٦ - ٣٦.
٤ - ثم يذكر قصة ثور وحشي من ٣٧ - ٥٠.
٥ - ومن ٥١ - ٦٥ يتحدث عن مصرع البطل الفارس، وينعت هذا البطل وموقفه إزاء بطل آخر يصطرعان ويتشاجران بالسلاح، فإذا به قد خرّ صريعا قتيلا. والشاعر يبدأ القصص الثلاث بمطلع واحد، يربط بينها، ثم يربطها بمطلع القصيدة، وهذا المطلع شطر بيت، (والدهر لا يبقى على حدثانه)، وأبو ذؤيب يتخذ من هذه القصص الثلاثة عزاء لنفسه، وتسلية لها، وحضا على الصبر. فهذه الضروب الثلاثة من مظاهر القوى الحيوية التي تتمثل في الحمار، والثور، والبطل، لا تجدي شيئا أمام الموت، فهو أقوى وأقدر.
فأخبرني أين التفكك في هذه القصيدة؟ وكم بيتا فيها يؤدي معنى كاملا، ولا يحتاج إلى غيره؟
ولولا الإطالة في غير مظانّ الموضوع، لواليت بين ضرب الأمثلة، ولكنني عزمت - إن فسح الله في الأجل - أن أتوسع في شرح الموضوع، في مقدمة هذا المعجم، فتدبر ما قلته، فهو الحقّ، وهو العلم، ولا تلتفتنّ إلى ما يقوله تجّار النقد الأدبي، الذين ينعقون وراء أول ناعق، والله يحفظك. ومظان البيت الشاهد. [كتاب سيبويه ج ١/ ٢٠٥، وشرح المفصل ج ١/ ٤١، والمفضليات].