للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إِذَا طَأطَأَ رَأسَهُ قَطَرَ

ــ

ثوبين مصبوغين بالصفرة، وكأنه الذي صبغ بالهردى. وقد اجترأ القتبي، وخطأ النَّقَلة في هذا اللفظ، وقال: هو عندي خطأ من النَّقَلة، وأراه مهرُوَّتَين، يقال: هريت العمامة: إذا لبستها صفراء، وكأن فعلت منه: هروت، وأنشدوا عليه:

رأيتك هريت العمامة بعدما ... أراك زمانا حاسرا لم تعصب

قال: إنما أراد أنك لبست العمامة صفراء كما يلبسها السادة، وكان السيد يعتم بعمامة صفراء، ولا يكون ذلك لغيره.

قلت: لقد صدق من قال في ابن قتيبة: هَجوم وَلاج على ما لا يحسن. وقد خطئ ابنُ قتيبة فيما خطّأ فيه الثقاتِ وأهلَ التقييد والتثبت والعلم من وجهين:

أحدهما: حكمه بالخطأ وجرأته (١) به على الأئمة الحفاظ الثقات العلماء، فكان حقه أن يتوقف إذ لم يجد محملا لتلك اللفظة على النحو المروي.

وثانيهما: إن ما استدل به لا حجَّة فيه، لوجهين قد أشار إليهما أبو بكر فيما حكاه الإمام أبو عبد الله عنه. فقال: ما قاله خطأ؛ لأنَّ العرب لا تقول: هروت الثوب، لكن هريت، ولا يقال أيضًا: هريت، إلا في العمامة خاصة، فليس له أن يقيس على العمامة؛ لأنَّ اللغة رواية.

قلت: والأصح: قول الأكثر، ويشهد له ما قد وقع في بعض الروايات بدل مهرودتين: ممصرتين والممصرة من الثياب هي المصبوغة بالصفرة، والله تعالى أعلم.

و(قوله: إذا طأطأ رأسه قطر) أي: إذا خفض رأسه سال منه ما يعني به العرق. وهذا نحو مما قال في الحديث الذي تقدم: يقطر رأسه ماء، كأنما خرج من ديماس (٢) يعني: الحمام.


(١) في (م ٤): وجزمه.
(٢) رواه مسلم (١٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>