للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأخلّت بالتسلسل المعنوي، ولعلّ الرواة قدّموا وأخّروا بين أبيات القصيدة، فأخلّ ذلك بالسياق. فإنّ رواة الشعر، كغيرهم من رواة الأخبار، كان يعنيهم في المرحلة الأولى الجمع ثم تأتي مرحلة النّقد، وهذه من عمل الناقد الأدبي، كما أنّ المرحلة الثانية من قراءة الأخبار ونقدها من وظيفة نقّاد السّند والمتن، ليقولوا: هل صحّ هذا الخبر أم لم يصحّ. وقد وصلتنا أخبار المؤرخين مدونة دون نقد، فظنها مؤلفو التاريخ في العصر الحديث صحيحة فنقلوا منها وبنوا عليها الأحكام، فضلّوا وأضلّوا غيرهم. وكذلك وصلتنا الأشعار كما رواها الرواة، دون أن تهذبها نظرات الناقد الأدبي، فأخذها بعض نقدة الشعر في العصر الحديث، كما وصلت إليهم وبنوا عليها الأحكام النقدية، فكان ما كان من الأحكام التي تحتاج إلى نقد على نقد. وقد وقع نظر هؤلاء النقاد على نماذج قليلة مما وصفنا من الروايات، فعمّموا الأحكام على الشعر العربيّ كله، فكان حكمهم الجائر؛ لأنهم لم يصدروا حكمهم بعد استقراء النصوص

جميعها، وربما كان الذي أصدر هذه الأحكام واحدا، وتبعه الآخرون دون تحقيق، ولا يستبعد أن يكون المستشرقون هم أول من أصدر الأحكام النقديّة على الشعر العربي القديم، لأن أكثر الشّبهات والمطاعن التي أثيرت حول الشعر والتراث العربي بعامة، كان مصدرها الاستشراق. فالمستشرقون كانوا من السبّاقين إلى طباعة بعض دواوين ومجموعات الشعر العربي، وتقديم الدراسات عنها، وكانوا محلّ ثقة الرعيل الأول من مؤلفينا في العصر الحديث، وقد جلب بعضهم للتدريس في جامعة القاهرة في عهدها الأول. وللمستشرق (نلّينو ١٨٧٢ - ١٩٣٨ م) «تاريخ الآداب العربية» يرجع إليه كثير من المؤلفين العرب، وينهلون من مستنقعه الآسن. وكان قد ألقى محاضرات في جامعة القاهرة.

* والحقّ الذي لا مرية فيه، أنه إذا وجدت قصائد قليلة، يظهر التفكك بين أجزائها بسبب ما ذكرنا، فإنه توجد عشرات القصائد المطولة، يظهر الترابط الوثيق بين أجزائها، وإليك بعض التفصيل:

١ - قلت إن من أسباب التفكك البادي على بعض القصائد القديمة الرواية، حيث كانت عناية بعض الرواة تتّجه إلى الجمع دون التنسيق. وأمامي روايتان

<<  <  ج: ص:  >  >>