فليصل" بالمعنى الذي فهمه، وأما قول ابن الزبير: "رأيت عمر بن الخطاب إذا اجتمع عيدان صنع هكذا" فلعل عمر رضي الله عنه فعل ذلك بعذر عرفه الناس، ولم يعرفه ابن الزبير ولذا أنكروا عليه، ولم ينكروا على عمر وإلا فيبعد كل البعد أن يصنع ابن الزبير مثل ما صنعه، فعرفه الناس من عمر وأنكروه منه.
وأيضاً مجموع ما روي في ذلك عن ابن الزبير لا يدل على ترك الجمعة بالعيد، بل غايته أنه صلى الجمعة قبل الزوال إذا اجتمع العيدان؛ بدليل تقديمه الخطبة على الصلاة حينئذ وخطبة العيد بعد الصلاة إجماعاً، كما سيأتي، وبدليل ما في رواية لأبي داود "فجمعهما جميعاً فصلاهما ركعتين". فلا يصح الاستدلال به على الرخصة في ترك الجمعة بصلاة العيد، بل غاية ما يؤخذ منه جواز تقديم الجمعة عن الزوال في يوم العيد، فيؤل البحث إلى وقت صلاة الجمعة وقد فرغنا منه في الباب المتقدم قبل أبواب، وقد أثبتنا أن لا حجة للحنابلة فيما استدلوا به على جواز الجمعة قبل الزوال، بل الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم توقيتها بما بعد الزوال (سيأتي البحث في ذلك) ولا حجة لهم في أثر ابن الزبير أيضاً، فإنه يفيد أن تقديم الجمعة على الزوال مختص بما إذا اجتمع العيدان لا غير وهم لا يقولون بالتخصيص.
وأيضاً، فلا حجة بقول الصحابي، وفعله في معارضة قول النبي صلى الله عليه وسلم. وفعله لا سيما وقد ثبت أن الناس أنكروا على ابن الزبير ما صنعه، وعاتبوه عليه. فافهم. على أن الحنابلة يقولون: إنه إذا اتفق عيد في يوم جمعة سقط حضور الجمعة عمن صلى العيد إلا الإمام، فإنها لا تسقط عنه إلا أن لا يجتمع له من يصلي به الجمعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم "وإنا لمجمعون"، ولأنه لو تركها لامتنع فعل الجمعة في حق من تجب عليه، ومن يريدها ممن سقطت عنه. ذكره ابن قدامة في المغني (٢/ ٢١٢ و ٢١٣). فصنع ابن الزبير وقع خلاف الإجماع لكونه لم يزد على الركعتين قبل الزوال بكرة حتى صلى العصر مع أنه قد اجتمع له من يصلي به الجمعة. قال عطاء: "ثم رحنا إلى الجمعة، فلم يخرج إلينا، فصلينا وحدانا"، كما تقدم.
أقول: وفي كل الأحوال لا يدل عدم خروج ابن الزبير إلى الجمعة أنه لم يصل الظهر وإنما أشرنا إلى ذلك لأنه وجد من استند على فعل ابن الزبير فاسقط الجمعة والظهر بأن واحد على من صلى العيد.