١ - إذا عرفنا أن العبادة الدائمة للملائكة هي الذكر، قال تعالى:(يسبحون الليل والنهار لا يفترون) وإذا عرفنا أن الكون بما فيه في ذكر دائم، قال تعالى (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم)، إذا عرفنا هذا وهذا أدركنا محل الذكر في عبادة الله تعالى، ومن ههنا كانت دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كلها ذكراً وتذكيراً، وبقدر ما يأخذ الإنسان حظه من الذكر والتذكر يأخذ حظه العظيم من دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولذلك فإنك تجد الأذكار والدعوات التي هي نوع ذكر تملأ ساحة حياة المسلم، فيوم المسلم مليء بالذكر، وعبادات المسلم ذكر وهي تساعد على إقامة الذكر وما من شيء في حياة المسلم إلا وهو مرتبط بذكر، وهكذا تجد الأذكار والدعوات ملابسة لكل حياة المسلم، بل إن كتاب الإسلام الذي هو القرآن ذكر، وما من موضوع من موضوعات الحياة إلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم توجيه فيه يربطه بذكر، فهذه الصلاة ذكر، وربطت بها أذكار، وفي كل ما يحيط بالصلاة ما يعتبر ذكراً أو تذكيراً، فللطهارة أذكارها ولدخول المسجد أذكاره، والآذان ذكر وهو يرتبط بالذكر، وللقيام والركوع والسجود وغير ذلك من أفعال الصلاة أذكاره، وللنوم والاستيقاظ أذكارهما، ولدخول البيت والخروج منه أذكارهما، ولكل حالة تلابس الإنسان من مرض إلى كرب إلى غير ذلك أذكارها، ولكل مشهد أذكاره فللرعد ولسماع صوت الديك وللكسوف وهبوب الريح وانقضاض الكوكب ونزول الأمطار، لكل ذلك أذكاره، وللزكاة أذكارها وللصيام أذكاره وللحج أذكاره وللجهاد أذكاره وللسفر أذكاره وللطعام والشراب أذكارهما، وإذا تقابل المسلمون أو اجتمعوا فلذلك أذكار، وللنكاح أذكاره، وللطريق أذكاره، وللسوق أذكاره، وهناك الأذكار المطلقة وهناك الأذكار المقيدة، فالذكر يملأ ساحة الحياة بالنسبة للمسلم وكل ذكر له أثره الخاص على نفس المسلم، ومجموع الأذكار تهذب وتزكي ساحة النفس البشرية كلها، فلا عجب بعد ذلك إذا رأينا أنه ما من جزء من أجزاء هذا الكتاب إلا وللذكر فيه محل، ولا عجب إذا كان جزء الأذكار واسعاً، وإن مسلماً لا يتتبع ما ورد في الأذكار والدعوات لمقصر، وإن مسلماً لا يعتبر العلم بالأذكار والدعوات من أعظم العلوم لجاهل، وإن مسلماً لا يملأ حياته بالذكر بقدر المستطاع لمفرط.