وضعنا هذا الفصل والفلين قبله ولهما علاقة بالتفسير بعد باب التلاوة، لأن التلاوة تحتاج إلى تدبر، والتدبر يقتضي فهماً ويعمق فهماً، وقد جرت عادة المؤلفين في الحديث الشريف أن يجعلوا التلاوة والتفسير المأثور متلاصقين، أو في مبحث واحد.
والمراد بالتفسير هنا: التفسير الذي اعتاد المحدثون أن يذكروه في كتب الحديث وبعض المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابة والتابعين. ونحن نرى فارقاً كبيراً بين حجم ما يذكره المحدثون تحت باب التفسير، وأحجام الكتب المؤلفة فيما بعد في التفسير، وهذا يدل على أن الصحابة رضوان الله عنهم لم يكونوا يحتاجون إلى إفاضة في التفسير لقوة فهمهم عن الله عز وجل، ولإدراكهم معاني القرآن الكريم.
فكلما ابتعدنا عن جيل الصحابة أصبح الناس بحاجة إلى جديد لفهم القرآن الكريم.
غير أنه إذا كان حجم باب التفسير في كتب الحديث قليلاً نسبياً، فذلك يعود إلى شيء آخر، وهو أن الأصل أن السنة كلها بما في ذلك السيرة، هي شرح للقرآن الكريم وتفسير، قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}(١). فالرسول صلى الله لعي وسلم مهمته البيان القولي والفعلي لكتاب الله عز وجل، ولذلك فإن بالإمكان أن نعتبر كل ما ورد في السنة شرحاً للقرآن الكريم وتفسيراً، ولذلك ندر ما تجد باباً في السنة إلا ويمكن أن تصدره ببعض آيات القرآن الكريم، وفي كثير من الأبواب نجد أحاديث هي من باب الناسخ والمنسوخ، أو من أسباب النزول، وذلك كله تفسير في الحقيقة.
إلا أنه لوجود بعض المأثور الذي قد لا يدخل في أبواب أخرى، خص المحدثون التفسير بباب مستقل، ونحن نقتدي بهم فنذكر هذا الفصل ههنا، وهو ليس بعيداً عن موضوعات هذا القسم فتدبر القرآن عبادة، وهذا الفصل يعين على العبادة، وهذا الفصل علم بكتاب الله، وقد جعلنا العلم أحد أجزاء هذا القسم، وقارئ كتاب الله يهمه أن يعرف بعض ما ورد من مأثور التفسير، ولهذا جعلنا فصول هذا الباب مع باب التلاوة في جزء واحد.