للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رسول الله صلى الله عليه وسلم حجته، فصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخيف، فلما قضى صلاته انحرف، فإذا هو برجلين في أخرى القوم لم يصليا معه، فجيء بهما ترعد فرائصهما، فقال: "ما منعكما أن تصليا معنا؟ " فقالا: يا رسول الله، إنا كنا قد صلينا في رحالنا، قال: "فلا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما، ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم، فإنها لكم نافلة".

علق ابن خزيمة على الحديث فقال: النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر قد أمر من صلى الفجر في رحله أن يصلي مع الإمام، وأعلم أن صلاته تكون مع الإمام نافلة، فلو كان النهي عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس نهياً عاماً لا نهياً خاصاً، لم يجز لمن صلى الفجر في الرحل أن يصلي مع الإمام فيجعلهما تطوعاً. وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم: سيكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، فصلوا الصلاة لوقتها، واجعلوا صلاتكم معهم سبحة، فيها دلالة على أن الإمام إذا أخر العصر أو الفجر أو هما، إن على المرء أن يصلي الصلاتين جميعاً لوقتهما، ثم يصلي مع الإمام ويجعل صلاته معه سبحة، وهذا تطوع بعد الفجر وبعد العصر.

أقول: اعتبر الحنفية الأحاديث الواردة في النهي عن التنفل بعد صلاتي الصبح والعصر ناسخة لهذا الحديث وأمثاله، وهي قضية خلافية، والأمر فيها واسع، وقد أجاز الحنابلة لكل من صلى خارج المسجد ثم دخل المسجد والصلاة قائمة أن يصليها متنفلاً ولو في أوقات الكراهة أخذاً بهذا النص وأمثاله.

فائدة: قال الحنفية عن راتبة الفجر أنها آكد السنن ولذلك فإنها لا تصلى عند بعضهم والمصلي جالس إلا العذر، ولكن لا تقضى عندهم إلا إذا فاتت مع فريضتها فتقضى إذا قضى المصلي فريضته قبل الزوال، واختار أحمد جواز قضاء سنة الفجر عند الضحى، وإن صلاها بعد فريضة الفجر أجزأه ومذهب الشافعية جواز قضاء سنة الفجر بعد أداء فريضتها. (١)


= (ترعد فرائصهما) الفرائص: جمع فريصة، وهي اللحمة من الجنب والكتف التي لا تزال ترعد- أي: تتحرك- من الدابة، فاستعير للإنسان، لأن له فريصة، وهي ترجف عند الخوف.

<<  <  ج: ص:  >  >>