إن مما يدل على أن هذا القرآن من عند الله عز وجل أنه نزل خلال ثلاثة وعشرين عاماً، وهو مع كونه نزل مفرقاً فإن ترتيب آياته في السورة الواحدة وترتيب سورة على غاية من الكمال هي وحدها معجزة، فنزول القرآن مفرقاً وكونه على هذا الكمال في الترتيب ذلك وحده معجزة.
وهذه إحدى حكم نزول القرآن منجماً، وهناك حكم أخرى سنرى بعضها في هذه الفقرة، وقد فصلنا في كتابنا (الأساس في التفسير) المعجزة الكبرى في ترتيب القرآن على ما هو عليه في المصحف العثماني مما يدهش الألباب وذلك يقطع كل لبس في أن ترتيب القرآن كان توقيفياً من الله عز وجل والأدلة على ذلك كثيرة، ولقد اجتمع لهذا القرآن كل لوازم الحفظ تحقيقاً للمعجزة في قوله تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(١) فقد اجتمع له أن حفظته الصدور والسطور من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا وإلى ما يشاء الله عز وجل. فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بكتابة ما يوحى إليه من القرآن كما كان يلقن هذا القرآن لأصحابه تلقيناً ليْحَفظوه ويُحفِّظوه، ولقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن مكتوب وإن كان غير مجموع. وكما كان مكتوباً فإنه كان محفوظاً في الصدور، وكان من توفيق الله لأبي بكر رضي الله عنه أنه جمع القرآن في مصحف واحد، ثم جاء عثمان رضي الله عنه فجمع النسا على رسم واحد أجمعت عليه الأمة، ولا زال هذا الرسم هو الذي ترسم به كلمات المصحف مع مزيد عناية فيما يخدم إتقان التلاوة.
وفي هذه الأمور كلها نصوص وعلوم يتعرض لها العلماء بمناسباتها في كتبهم ومما ذكره صاحب مناهل العرفان حول هذه الشؤون ما يلي:
قال صاحب مناهل العرفان في الحكم والأسرار في تنجيم القرآن: (لتنجيم نزول القرآن الكريم [أي في نزوله مفرقاً] أسرارٌ عدةَّ وحِكَمٌ كثيرة، نستطيع أن نُجمِلَها في أرْبع حِكَمٍ رئيسية: