للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم الاستدلال بهذه القصة على أن كل مجتهد مصيب على الإطلاق ليس بواضح وإنما فيه ترك تعنيف من بذل وسعه واجتهد، فيستفاد منه عدم تأثيمه وحاصل ما وقع في القصة أن بعض الصحابة حملوا النهي على حقيقته، ولم يبالوا بخروج الوقت ترجيحاً للنهي الثاني على النهي الأول وهو ترك تأخير الصلاة عن وقتها، واستدلوا بجواز التأخير لمن اشتغل بأمر الحرب بنظير ما وقع في تلك الأيام بالخندق فقد تقدم حديث جابر المصرح بأنهم صلوا العصر بعد ما غربت الشمس وذلك لشغلهم بأمر الحرب، فجوزوا أن يكون ذلك عاماً في كل شغل يتعلق بأمر الحرب ولا سيما والزمان زمان التشريع، والبعض الآخر حملوا النهي على غير الحقيقة وأنه كناية عن الحث والاستعجال والإسراع إلى بني قريظة، وقد استدل به الجمهور على عدم تأثيم من اجتهد لأنه صلى الله عليه وسلم لم يعنف أحداً من الطائفتين، فلو كان هناك إثم لعنف من أثم، واستدل به ابن حبان على أن تارك الصلاة حتى يخرج وقتها لا يكفر، وفيه نظر لا يخفى. واستدل به غيره على جواز الصلاة على الدواب في شدة الخوف، وفيه نظر قد أوضحته في باب صلاة الخوف. وعلى ان الذي يتعمد تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها يقضيها بعد ذلك لأن الذين لم يصلوا العصر صلوها بعد ذلك كما وقع عند ابن إسحق أنهم صلوها في وقت العشاء، وعند موسى بن عقبة أنهم صلوها بعد أن غابت الشمس، وكذا في حديث كعب بن مالك، وفيه نظر أيضاً لأنهم لم يؤخروها إلا لعذر تأولوه، والنزاع إنما هو فيمن أخر عمداً بغير تأويل، وأغرب ابن المنير فادعى أن الطائفة الذين صلوا العصر لما أدركتهم في الطريق إنما صلوها وهم على الدواب، واستند إلى أن النزول إلى الصلاة ينافي مقصود الإسراع في الوصول، قال: فإن الذين لم يصلوا عمدوا بالدليل الخاص وهو الأمر بالإسراع فترك عموم إيقاع العصر في وقتها إلى أن فات، والذين صلوا جمعوا بين دليلي وجوب الصلاة ووجوب الإسراع فصلوا ركبانا، لأنهم لو صلوا نزولاً لكان مضادة لما أمروا به من الإسراع ولا يظن ذلك بهم مع ثقوب أفهامهم انتهى. وفيه نظر لأنه لم يصرح لهم بترك النزول، فلعلهم فهموا أن المراد بأمرهم أن لا يصلوا العصر إلا في بني قريظة المبالغة في الأمر بالإسراع فبادروا إلى امتثال أمره، وخصوا وقت الصلاة من ذلك لما تقرر عندهم من تأكيد أمرها، فلا يمتنع أن ينزلوا فيصلوا ولا يكون في ذلك مضادة لما أمروا به، ودعوى أنهم صلوا ركباناً يحتاج إلى دليل ولم أره صريحاً في شيء من طرق هذه القصة، وقد تقدم

<<  <  ج: ص:  >  >>