للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يتوقف على بيان نظم الكلام، ثم بيان أن هذا النظم مخالف لنظم ما عداه فنقول: مراتب تألف الكلام خمس: الأولى: ضم الحروف المبسوطة بعضها إلى بعض لتحصل الكلمات الثلاث الاسم والفعل والحرف. والثانية: تأليف هذه الكلمات بعضها إلى بعض لتحصل الجمل المفيدة، وهو النوع الذي يتداوله الناس جميعاً في مخاطباتهم وقضاء حوائجهم، ويقال له المنثور من الكلام. والثالثة: يضم بعض ذلك إلى بعض ضما له مبادٍ ومقاطع مداخل ومخارج، ويقال له المنظوم. والرابعة: أن يعتبر في أواخر الكلام مع ذلك تسجيع، ويقال له المسجع. والخامسة: أن يجعل مع ذلك وزن، ويقال له الشعر، والمنظوم، إما محاورة ويقال له الخطابة. وإما مكاتبة ويقال له الرسالة. فأنواع الكلام لا تخرج عن هذه الأقسام، وللك من ذلك نظم مخصوص. والقرآن جامع لمحاسن الجميع على نظم غير نظم شيء منها يدل على ذلك، لأنه لا يصح أن يقال له رسالة أو خطابة أو شعر أو سجع، كما قال تعالى {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} تنبيهاً على أن تألفه ليس على هيئة نظم يتعاطاه البشر فيمكن أن يغير بالزيادة والنقصان كحالة الكتب الأخر وقال أبو حيان التوحيدي: سئل بندار الفارسي عن موضع الإعجاز من القرآن فقال: هذه مسألة فيها حيف على المعنى، وذلك أنه شبيه بقولك ما موضع الإنسان من الإنسان؟ فليس للإنسان موضع من الإنسان، بل متى أشرت إلى جملته فقد حققته ودللت على ذاته، كذلك القرآن لشرفه لا يشار إلى شيء منه إلا وكان ذلك المعنى آية في نفسه ومعجزة لمحاوله وهدى لقائله، وليس في طاقة البشر الإحاطة بأغراض الله في كلامه وأسراره في كتابه، فلذلك حارت العقول وتاهت البصائر عنده. وقال الخطابي: ذهب الأكثرون من علماء النظر إلى وجه الإعجاز فيه من جهة البلاغة لكن صعب علهم تفصيلها وصغوا فيه إلى حك الذوق. قال: والتحقيق أن أجناس الكلام مختلفة ومراتبها في درجات البيان متفاوتة، فمناه البليغ الرصين الجزل. ومنها الفصيح القريب السهل، ومنها الجائز المطلق الرسل. وهذه أقسام الكلام الفاضل المحمود. فالأول أعلاها. والثاني أوسطها. والثالث أدناها وأقربها. فحازت بلاغات القرآن من كل قسم من هذه الأقسام حصة، وأخذت من كل نوع شعبة، فانتظم لها بانتظام هذه الأوصاف نمط من الكلام يجمع صفتي

<<  <  ج: ص:  >  >>