للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال صاحب مناهل العرفان:

وهنا نلفت النظر إلى أن القرآن بما اشتمل عليه من هذه المعجزات الكثيرة قد كتب له الخلود، فلم يذهب بذهاب الأيام، ولم يمت بموت الرسول عليه الصلاة والسلام. بل هو قائم في فم الدنيا يحاج كل مكذب، ويتحدى كل منكر ويدعو أمم العالم جمعاء إلى ما فيه من هداية الإسلام وسعادة بني الإنسان. ومن هذا يظهر الفرق جلياً بين معجزات نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم ومعجزات إخوانه الأنبياء عليهم أزكى الصلاة وأتم السلام فمعجزات محمد في القرآن وحده آلاف مؤلفة، وهي متمتعة بالبقاء إلى اليوم وإلى ما بعد اليوم حتى يرث الله الأرض ومن عليها. أما معجزات سائر الرسل فمحدودة العدد، قصيرة الأمد، ذهبت بذهاب زمانهم، وماتت بموتهم، ومنْ يطلبها الآن لا يجدها إلا في خبر كان ولا يسلم له شاهدٌ بها إلا هذا القرآن، وتلك نعمة يمنها القرآن على سائر الكتب والرسل وما صح من الأديان كافة. قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} وقال عز اسمه {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} ا. هـ

وبعد فقد قال الله عز وجل: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} (١).

فالقرآن الكريم لمن عقل لا شك فيه أنه من عند الله عز وجل، وهذه مقدمة نتيجتها أن يهتدي الإنسان بالقرآن في أمره كله، وإنما تحدثنا عن أسلوب القرآن وإعجازه ومعجزاته لنصل إلى هذه النتيجة وهو أن نجعل القرآن الكريم هدانا في كل شيء، وهذا يقتضي تلاوة وفهماً وعلماً وعملاً، ونحن وإن كنا قد أجّلنا في هذه المقدمة الكلام عن هداية القرآن إلا أننا نجتزئ هنا بذكر شيء مما كتبه السيوطي في الإتقان تحت عنوان: (في العلوم المستنبطة من القرآن) وذلك للتذكير بالمراد الأول من إنزال هذا القرآن وهو الاهتداء به:

قال تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} وقال: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} وقال صلى الله عليه وسلم "ستكون فتن، قيل: وما المخرج منها؟ قال: كتاب الله،


(١) البقرة: ١، ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>