كان ذلك من سبيل خدمة التاريخ اللغوي، وهم إنما أرادوا بصنيعهم خدمة القرآن وعلومه، فلولاه لمضت لغة العرب في سبيل ما تقدمها، ولماتت مع أهلها، وكان من يظفر اليوم بحرف منها فقد أحيا شيئاً من التاريخ.
ولو أردنا استغراق هذا النوع لخرجنا بالكتاب عن معناه إلى أن يكون مُعحماً من معاجم اللغة: ولكنا نأتي شيء من نادره ونقتصر على القليل من غريبه مما يجانس ما قدمناه ويتحقق به نوعٌ من أنواع الاختلاف اللساني في العرب، ومن أمثلة ذلك:
(١) إبدالهم أواخر بعض الكلمات المجرورة ياء، كقولهم في الثعالب والأرانب والضفادع: الثعالي، والأراني، والضفادي.
وفي الصحاح: قد يبدلون بعض الحروف ياء كقولهم: في أمَّا: أيْما وفي سادس: سادي، وفي خامس: خامي. وجاءت لغات الإبدال وكلها غير منسوبة ولا مُسماة، وهي كثيرة؛ ومنها نوع طريف يعدّ من "لغات اللغويين" لأنهم جمعوه ورتبوه؛ وهو في الألفاظ التي يُنطق فيها بلغتين بحيث يؤم التصحيف: كالتي تنطق بالياء والتاء والباء والثاء؛ ونحوها مما يقع في حروفه التصحيف، وهذه الحروف هي:
ب ... ت ... ث ... ج ... ح ... خ ... د ... ذ
ر ... ز ... س ... ش ... ص ... ض ... ط ... ظ
ع ... غ ... ف ... ق ... ك ... ل ... ن ...
وفالنون تشتبه بالتاء والثاء، والواو تشتبه بالراء؛ أما سائر الحروف فالاشتباه فيها ظاهر. وعلى أن هذا مما يرجع إلى الخط ويبعد أن يكون العرب أرادوه، ولكن اللغويين وفقوا في عده من لغات الإبدال، ومن أمثلته: الثَّرى والبرى: بمعنى التراب، وثجَّ الجريح ونجَّ: سال دمُه، وفاح الطيب وفاخ وهلمَّ جراً ...
(٢) من العرب من يجعل الكاف جيماص، فيقول مثلاً: الجعبة، في "الكعبة" وبعضهم ينطق بالتاء طاء: كأفْلِطني، في "أفلتني" قال الخليل: وهي لغة تميمية قبيحة.