كتابته فيه، وكأنه لم يبلغه الإذن في ذلك. قال: فهذا تأويل منه، وليس جحداً لكونهما قرآنا، وهو تأويل حسن، إلا أن الرواية الصحيحة الصريحة التي ذكرتها تدفع ذلك، حيث جاء فيها "ويقول: إنهما ليستا من كتاب الله" نعم يمكن حمل لفظ: "كتاب الله" على المصحف، فيتمشى التأويل المذكور.
وأما قول النووي في شرح "المهذب": أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن، وأن من جحد منهما شيئاً كفر، وما نقل عن ابن مسعود باطل ليس بصحيح، ففيه نظر وقد سبه بنحو ذلك أبو محمد بن حزم، فقال في أوائل "المحلي" ما نقل عن ابن مسعود من إنكار قرآنية المعوذتين: فهو كذب باطل، وكذا قال الفخر الرازي في أوائل تفسيره: الأغلب على الظن أن هذا النقل عن ابن مسعود كذب باطل. والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لا يقبل، بل الرواية صحيحة والتأويل محتمل، والإجماع الذي نقله إن أراد شموله لكل عصر فهو مخدوش، وإن أراد استقراره فهو مقبول.
أقول: كانت هناك اتجاهات عند بعض الصحابة تخالف ما استقر عليه الإجماع في شأن القرآن الكريم، سببها اجتهاد أو ظن ما هو منسوخ التلاوة غير منسوخ أو عدم معرفة بآخر ما قرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم، لما جمع أبو بكر المصحف بما يتفق مع آخر عرضة للقرآن على جبريل عليه السلام، ثم جمع عثمان النسا على رسم واحد للقرآن واستقرار الإجماع على هذا الرسم، فإن اعتقاد ما خالف الرسم العثماني للمصحف أنه من القرآن أو إنكاره شيء منه أنه قرآن - كفر - وأما الصحابة الذين تلقوا عن رسول الله صلى الله علي وسلم شيئاً وحافظوا عليه اجتهاداً منهم أنه لم يطرأ عليه ما يوجب عليهم تركه إلى ما عند غيرهم فهم معذورون، لأنه بالنسبة لهم قطعي الورود وروايات غيرهم عندهم تحتمل.
أما بعد استقرار الإجماع فلا يجوز لأحدٍ أن يعتبر ما خالف الرسم العثماني قرآنا، وما وافق الرسم العثماني يشترط فيه التواتر ليعتبر قرآناً.
وأما قضية ابن مسعود في أنه كان لا يكتب المعوذتين والفاتحة في قرآنه فهو محمولٌ لا على نفي أن المعوذتين والفاتحة من القرآن بل على أنه كان لا يرى سُنيَّةَ الكتابة لذلك، أو لا يرى احتياجاً لكتابة بعض ذلك، فالفاتحةُ من الشهرة بحيث لا تحتاجُ إلى كتابة، وأما