وأحكامه. أما دقائق باطنه فإنما كان يظهر لهم بعد البحث والنظر مع سؤالهم النبي صلى الله عليه وسلم في الأكثر كسؤالهم لما نزل قوله - ولم يلبسوا إيمانهم بظلم - فقالوا وأينا لم يظلم نفسه، ففسره النبي صلى الله عليه وسلمبالشرك، واستدل عليه بقوله - إن الشرك لظلم عظيم - وكسؤال عائشة عن الحساب اليسير فقال: ذلك العرض. وكقصة عديّ بن حاتم في الخيط الأبيض والأسود وغير ذلك مما سألوا عن آحاد منه، ونحن محتاجون إلى ما كانوا يحتاجون إليه وزيادة على لك مما لم يحتاجوا إليه من أحكام الظواهر لقصورنا عن مدارك أحكام اللغة بغير علم، فنحن أشد الناس احتياجاً إلى التفسير. ومعلوم أن تفسير بعضه يكون من قبل الألفاظ الوجيزة وكشف معانيها، وبعضه من قبل ترجيح بعض الاحتمالات على بعض اهـ. وقال الجويني: علم التفسير عسر يسير، أما عسره فظاهر من وجوه أظهرها أنه كلام متكلم لم تصل النسا إلى مراده بالسماع منه ولا إمكان الوصول إليه، بخلاف الأمثال والأشعار ونحوها فإن الإنسان يمكن علمه منه إذا تكلم بأن يسمع منه أو ممن سمع منه. وأما القرآن فتفسيره على وجه القطع لا يعلم إلا بأن يسمع من الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك متعذر إلا في آيات قلائل، فالعلم بالمراد يستنبط بأمارات ودلائل، والحكمة فيه أن الله تعالى أراد أن يتفكر عباده في كتابه فلم يأمر نبيه بالتنصيص على المراد في جميع آياته.
- مما وقع فيه أهل الكتاب من ضلال أنهم حرفوا الكلم عن مواضعه، وأنهم يلوون ألسنتهم بالكتاب، وقد وجد في عصرنا ناس تجاوزوا كل حد فقالوا بأن المراد من الصفا: الصفاء، ومن المروة: المروءة، ووجد في عصرنا من ألغى السنة بحجة الاكتفاء بالقرآن، بينما السنة هي الشارحة للقرآن، وكثير من الأوامر والنواهي لا تعرف تفصيلاتها من دون السنة، وهذا غيض من فيض من ضلالات العصر، فإذا ما اجتمع إلى مثل هذه الضلالات أن المؤسسات العلمية الإسلامية نفسها اختلط الحابل بالنابل في مجموع الأفكار التي تقدمها لروادها، وقل مثل ذلك في كثير من مناهج الحركات الإسلامية عرفت ضرورة ما دعونا إليه من إيجاد حلقات لطلاب الربانية، وسير للربانية على ضوء منهج مستقيم يجمع بين ثقافة أهل السنة والجماعة المتوارثة وبين الثقافة الإسلامية الصحيحة التي يقضتيها العصر.