ففي الحديث توسله صلى الله عليه وسلم بالأنبياء من قبله وقد توفاهم الله تعالى.
وفي صحيح البخاري أن عمر رضي الله عنه استسقى عام الرمادة بالعباس رضي الله عنه عم النبي صلى الله عليه وسلم، ومن قوله توسلاً به: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم وإنا نتوسل إليك بعم نبينا، قال فيسقون.
وذكر العلماء أن اكتفاءه بالاستسقاء بالعباس إذا لم يستسق بالنبي صلى الله عليه وسلم كان لدفع توهم عدم جواز الاستسقاء بغيره عليه وآله الصلاة والسلام لا لحق الاستسقاء بالحي حياة ظاهرة إذ أن الصحابة توسلوا به صلى الله عليه وسلم بعد موته دون نكير وقد أتينا بمثالين في ذلك فسيدنا عمر استسقى وتوسل بالعباس لدفع توهم عدم جواز التوسل إلا بالنبي صلى الله عليه وسلم ولإظهار شرف آل البيت النبوي، وقد توسل سيدنا عمر رضي الله عنه بالعباس لنكتة أخرى وهي جواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل فإن علياً رضي الله عنه وكرم وجهه أفضل من عمه العباس فتوسل سيدا عمر بالعباس لهذا الملحظ. ولهذا قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري عند شرح هذا الحديث: ويستفاد من قصة العباس استحباب الاستشفاع بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوة، وفيه فضل العباس وفضل عمر لتواضعه للعباس (فتح ٢/ ٤٩٧) ولم يقل الحافظ أنه يستفاد من هذا الحديث أنه لا يجوز التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته.
وفي الحقيقة أن توسل الصحابة رضوان الله عليهم كان بذات العباس، وبدعاء العباس، إذ ذكر الحافظ أن في بعض الروايات مما قاله العباس في دعائه (اللهم إن القوم توجهوا بي إليك لمكاني من نبيك) فتح (٢/ ٤٩٧) فلولا قربه ومكانته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لذهب سيدنا عمر لغيره من آل بيت النبوة فجعلوه وسيلتهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال الإمام الشافعي رضي الله عنه:
آل النبي وسيلتي ... وهم إليه ذريعتي
أرجو بهم أعطى غداً ... بيدي اليمين صحيفتي
هذا وجميع ما أوردناه من الأحاديث والآثار الصحيحة الصريحة في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته هي في الحقيقة شارحة لقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ