الظاهر تنعكس على الباطن فتزيل آثار الخطايا وتساعد على طهارة الروح، وكل ذلك يترك آثاره على التعامل الحياتي بين المسلمين، إن الإمام ليعكر عليه أن تكون طهارة المأموم ناقصة، أليس ذلك دليلاً على أن للطهارة تأثيراتها على الروح والقلب وعلى الغير وبالتالي على السلوك.
وكما أن الطهارة مدخل لبعض العبادات فهي عبادة بعينها وكما ارتبطت بها معان روحية كثيرة، فقد ارتبطت بها معان حسية كأثر عفوي عنها. خذ مثلاً ارتباط الوضوء والصلاة بالسواك، إن أمراض الفم لها تأثيراتها على الجسد كله، واستعمال السواك أو ما يقوم مقامه يشكل تسعين بالمائة من لوازم الوقاية، ونظافة الأطراف في الوضوء، ونظافة الجسد بالغسل وتنظيم الليل والنهار على ضوء الصلاة- كل ذلك له تأثيراته الحسية.
وكنا ذكرنا أن النظافة والطهارة تتلازمان أحياناً وتتكاملان أحياناً، فليس كل طاهر نظيفاً وليس كل نظيف طاهراً، كما قلنا: إن الطهارة مطلب شرعي والنظافة مطلب شرعي كذلك، وبالتالي فالمسلم مطالب بقدر الاستطاعة أن يكون طاهراً، ونظيفاً وبالتالي فهو مطالب بأن يطهر نفسه وثيابه عن النجاسات الحسية والمعنوية وعن الأوساخ والأقذار الحسية والمعنوية.
وكما أن النظافة مطلب، فحسن السَّمْت والهيئة مطلب، إلا إذا أدى إلى مفسدة أو حال دون واجب، فالأصل في المسلم أن يكون حسن السمت حسن الهيئة، لكن هناك مواطن لا يجتمع القيام بالواجب مع مثل هذا فيترك هذا الأصل العام للأصل الخاص، فالإحرام بالحج - عادةً - يرافقه شيء من الشعث، والطواف حول البيت والسعي بين الصفا والمروة يقتضيان ترك العادات في ذات الله، والقتال والجهاد والقيام ببعض الأعمال الدنيوية كل ذلك يرافقه نوع من التبذل، وتعويد النفس على الاخشيشان وحملها على ترك التعبد للمظهر، كل ذلك حالات راعاها الشارع وأدَّب عليها ولكنها تكاد تكون استثناءً من الأصل العام الذي هو المطالبة بحسن السمت وحسن المظهر من أجل مراعاة أصول خاصة لقضايا خاصة أعطاها الشارع في أوقاتها أو في أوضاعها أحكاماً خاصة بها.
وسنرى كثيراً مما له علقة في هذه الشؤون في مواطنها من هذا الكتاب، لكننا أحببنا