الله تعالى- إنما أراد: أنه إذا كان قُلتين، ووقعت في نجاسة لم تُغير لونه ولا طعمه ولا ريحه، فإنه لا ينجس، وأما على التأويل الآخر، فليس مذهباً له.
أقول: أخذ بهذا الحديث الشافعية والحنابلة، ولم يأخذ به الحنفية والمالكية، لأنهم أعلوه بالاضطراب وجهالة قدر القُّلَّة، ورد الذين أخذوا به على هذه الاعتراضات، والقلتان في اصطلاحات عصرنا تعدل برميلاً، والحديث أصل أصيل في الباب الذي يسميه الفقهاء (الأسار) والأسآر: جمع سؤر، والسؤر هو بقية الماء في الإناء أو في الحوض، واتفق العلماء على طهارة أسآر المسلمين وبهيمة الأنعام، فإذا كان الماء قليلاً باصطلاح الحنفية فحكم السؤر عندهم مرتبط بحكم لعاب الشارب، فإن كان نجساً تنجس الماء القليل، وإن كان طاهراً لم يتنجس.
وإليك هذا التحقيق المطَّول في موضوع القُلَّتين:
قال صاحب إعلاء السنن: (وأما حديث القلتين فلم يوقف على حقيقته كما سيأتي، فالاحتجاج به لا صح على ما قالوا والحديث رواه الشافعي وأحمد والأربعة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني والبيهقي من حديث عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن أبيه، ولفظ أبي داود:"سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الماء وما ينوبه من السباع والدواب، فقال رسول الله: "إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث". ولفظ الحاكم: فقال: "إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء" وفي رواية لأبي داود وابن ماجة: "فإنه لا ينجس". قال الحاكم: صحيح على شرطهما وقد احتجا بجميع رواته، وقال ابن مندة: إسناده على شرط مسلم.
وقال: (وقال ابن عبد البر في التمهيد: "ما ذهب إليه الشافعي من حديث القلتين مذهب ضعيف من جهة النظر غير ثابت من جهة الأثر، لأنه حديث تكلم فيه جماعة من أهل العلم ولأن القلتين لم يوقف على حقيقة مبلغهما في أثر ثابت ولا إجماع". وقال في الاستذكار: "حديث معلول رده إسماعيل القاضي، وتكلم فيه" وقال الطحاوي: "إنما لم نقل به لأن مقدار القلتين لم يثبت" وقال ابن دقيق العيد: "هذا الحديث قد صححه بعضهم وهو صحيح على طريق الفقهاء، لأنه وإن كان مضطرب الإسناد مختلفاً في بعض