يحسن أن يخص بالتأليف، فمن معالم الإسلام الكبرى حسن سياسته للنفس البشرية، ولا عجب فالله منزل الإسلام هو خالق النفس البشرية وهو أعلم بها.
ومن مظاهر أن التكليف مراعى فيه طبيعة النفس البشرية قوله تعالى:{وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ، إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ}(١). فهناك إذن طبيعة للنفس البشرية، نحن مأمورون بمجاهدتها ومراعاتها، فمن فطن للمجاهدة ولم يفطن للمراعاة لم يحسن سياسة نفسه، ولا سياسة غيره، والمراعاة ملحوظة في النصوص القرآنية والنصوص النبوية: كقوله تعالى: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً}(أي كلهم كفاراً){لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ، وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ، وَزُخْرُفًا}. وقوله تعالى:{وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}.
وقوله عليه الصلاة والسلام:(فصم وأفطر).
وقوله عليه السلام:(لكل عامر شرة ولكل شرة فترة). وأمثال ذلك كثير في نصوص الكتاب والسنة.
ومن ها هنا فإن المتصدرين للدعوة لابد أن يكون واضحاً لديهم كيف يجمعون بين المجاهدة والمراعاة لطبيعة النفس البشرية وكيف يقودون ويربون من خلال مراعاة طبيعة النفس البشرية، وهذا باب واسع لا يدركه إلا من عرف دقائق السياسات النبوية، وهذا يحتاج إلى مطالعات واسعة للكتاب والسنة، وتربية على يد شيوخ كُمَّل.