للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم، وكُف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم، وإذا حاصرت أهل حصنٍ، فأرادُوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه، فلا تجعلْ لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم أن تُخفرُوا ذممكم وذمة أصحابكم أهونُ من أنْ تُخفروا ذمة الله وذمة رسوله، وإذا حاصرت أهل حصنٍ، وأرادُوك أن تُنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري: أتصيبُ فيهم حكم الله، أم لا؟ هذه رواية مسلم.

وأخرجه الترمذي مختصراً، وهذا لفظه: قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميراً على جيشٍ أوصاه في خاصةِ نفسه بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيراً، فقال: "غزوا باسم الله، وفي سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغُلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً"، قال: وفي الحديث قصةُ.

قال النووي:

(ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين) ومعنى الحديث: أنهم إذا أسلموا يستحب لهم: أن يهاجروا إلى المدينة، فإن فعلوا كانوا كالمهاجرين قبلهم في استحقاق الفيء والغنيمة، وإلا فهم أعراب كسائر أعراب المسلمين الساكنين في البادية من غير هجرة ولا غزو، فيجري عليهم أحكام الإسلام، ولا حق لهم في الغنيمة والفيء، وإنما يكون لهم نصيب من الزكاة إن كانوا بصفة استحقاقها.

قال الشافعي: الصدقات للمساكين ونحوهم ممن لا حق لهم في الفيء، والفيء للأجناد، ولا يعطى أهل الفيء من الصدقات، ولا أهل الصدقة من الفيء، واحتج بهذا الحديث، وقال مالك وأبو حنيفة: المالان سواء، ويجوز صرف كل واحد منهما إلى النوعين.

وقال أبو عبيد: هذا الحديث منسوخ، وإنما كان هذا الحكم أول الإسلام لمن لم يهاجر، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} (١).


= (الجزية) البراءة، وهي فعلة، من جزيت.
(يخفرُوا الذمة) الذمة: الأمانة، إخفارها: نقضُها وتركُ العمل والوفاء بها.
(تنزله) أي: تُلجئهم، وأصله: كأنه يضطره إلى أن ينزل من العُلو إلى السُّفل.

<<  <  ج: ص:  >  >>