إذا كبرت أيها المصلي، فلا يكذبن قلبك لسانك، لأنه إذا كان في قلبك شيء أكبر من الله تعالى فقد كذبت، فاحذر أن يكون الهوى عندك أكبر بدليل إيثارك موافقته على طاعة الله تعالى.
فإذا استعذت، فاعلم أن الاستعاذة هي لجأ إلى الله سبحانه، فإذا لم تلجأ بقلبك كان كلامك لغواً، وتفهم معنى ما تتلو، وأحضر التفهم بقلبك عند قولك:(الحمد لله رب العالمين)، واستحضر لطفه عند قولك:(الرحمن الرحيم)، وعظمته عند قولك:(مالك يوم الدين)، وكذلك في جميع ما تتلو.
وقد روينا عن زرارة بن أبي أوفى رضي الله عنه أنه قرأ في صلاته:(فإذا نقر في الناقور)[المدثر: ٨] فخر ميتاً، وما ذاك إلا لأنه صور تلك الحال فأثرت عنده التلف.
واستشعر في ركوعك التواضع، وفي سجودك زيادة الذل، لأنك وضعت النفس موضعها، ورددت الفرع إلى أصله بالسجود على التراب الذي خلقت منه وتفهم معنى الأذكار بالذوق.
واعلم: أن أداء الصلاة بهذه الشروط الباطنة سبب لجلاء القلب من الصدأ، وحصول الأنوار فيه التي بها تتلمح عظمة المعبود، وتطلع على أسراره وما يعقلها إلا العالمون.
فأما من هو قائم بصورة الصلاة دون معانيها، فإنه لا يطلع على شيء من ذلك بل ينكر وجوده. (مختصر منهاج القاصدين ٢٩ - ٣١) وانظر (إحياء علوم الدين ١/ ١٣٤ و ١٤٢) وقال في (شرح السنة ٣/ ٢٦١):
وقال عكرمة عن ابن عباس قال: ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساه.
قال سلمان: الصلاة مكيال، فمن أوفى أوفي له، ومن طفف، فقد علمتم ما قال الله للمطففين.