الدارقطني: هكذا قال شعبة وأخفى بها صوته ويقال إنه وهم فيه لأن سفيان الثوري ومحمد بن سلمة بن كهيل رووه عن سلمة فقالوا ورفع بها صوته وهو الصواب اهـ. وطعن صاحب "التنقيح" في حديث شعبة هذا بأنه قد روي عنه خلافه كما أخرجه البيهقي في "سننه" عن أبي الوليد الطيالسي ثنا شعبة عن سلمة بن كهيل سمعت حجراً أبا عنبس يحدث عن وائل الحضرمي "أنه صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم فلما قال: ولا الضالين قال: آمين رافعاً بها صوته". قال: فهذه الرواية توافق رواية سفيان. وقال البيهقي في "المعرفة": إسناد هذه الرواية صحيح وكان شعبة يقول سفيان أحفظ، وقال يحيى القطان ويحيى بن معين إذا خالف شعبة سفيان فالقول قول سفيان. قال: وقد أجمع الحفاظ البخاري وغيره على أن شعبة أخطأ فقد روى من غير أوجه فجهر بها انتهى.
ثم قال في (الإعلاء ٢/ ٢١٩) بعد كلام طويل: فنقول: حديث الخفض عندنا أرجح رواية ودراية أما بحسب الرواية فلكون شعبة أحفظ من سفيان وأبعد من التدليس وهو أمير المؤمنين في الحديث، وأما بحسب الدراية فلأن آمين دعاء والأصل في الدعاء الإخفاء، قال تعالى:(ادعوا ربكم تضرعاً وخفية) وقال البخاري في "صحيحه" وقال عطاء: آمين دعاء اهـ.
ثم قال: قال الطبري: وروي ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه وروي عن النخعي والشعبي وإبراهيم التيمي: كانوا يخفون "بآمين" والصواب أن الخبرين بالجهر والمخافتة صحيحان وعمل بكل من فعليه جماعة من العلماء وإن كنت مختاراً خفض الصوت بها إذ كان أكثر الصحابة والتابعين رضي الله عنهم على ذلك اهـ. فتلك وجوه تقتضي ترجيح حديث شعبة من حيث الدراية. وحديث سفيان بلفظ "مد بها صوته" عندنا محمول على أنه تكلم بها على لغة المد دون القصر من جهة اللفظ لأن مذهب سفيان الثوري خفض الصوت بآمين دون الجهر بها، وما قال بعضهم أن رواية من قال "رفع بها صوته" تبعد هذا الاحتمال اهـ ففيه أن هذه الروايات كلها لا يخلو من كلام كما سنبين ذلك ولو سلم صحتها فهي محمولة على أن الجهر كان تعليماً للمأمومين كما جهر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالثناء عند الافتتاح تارة وأبو هريرة بالتعوذ أورد في (الإعلاء ٢/ ٢٢٠ - ٢٢٣) أدلة من قال بالجهر