ومنها بيان حكم من الأحكام، كقوله سبحانه:{وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} قرأ سعد بن أبي وقاص "وله أخُ أو أخت من أمْ" بزيادة لفظ "من أمٍ"[وهذه قراءة شاذة لكنها تفسر نصاً] فتبين بها أن المراد بالإخوة في هذا الحكم الإخوة للأم دون الأشقاء ومن كانوا لأب، وهذا أمرٌ مجمع عليه.
ومثل ذلك قوله ذلك قوله سبحانه في كفارة اليمين:{فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} وجاء في قراءة: "أو تحْريرُ رقبةٍ مؤمنةٍ" بزيادة لفظ "مؤمنةٍ"(وهي قراءة شاذة) فتبين بها اشتراطُ الإيمان في الرقيق الذي يعتق كفارة يمين. وهذا يؤيد مذهب الشافعي ومن نحا نحوه في وجوب توافر ذلك الشرط.
ومنها الجمع بين حكمين مختلفين بمجموع القراءتين، كقوله تعالى {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} قرئ بالتخفيف والتشديد في حرف الطاء من كلمة "يطهرنَ" ولا ريب أن صيغة التشديد تفيد وجوب المبالغة في طهر النساء من الحيض لأن زيادة المبنَى تدلُّ على زيادة المعنى، أما قراءة التخفيف فلا تفيد هذه المبالغة، ومجموع القراءتين يحكم بأمرين: أحدهما أن الحائض لا يقربها زوجها حتى يحصل أصل الطهر، وذلك بانقطاع الحيض. وثانيهما أنها لا يقربها زوجها أيضاً إلا إن بالغت في الطهر وذلك بالاغتسال، فلابد من الطهرين كليهما في جواز قربان النساء. وهو مذهب الشافعي ومن وافقه أيضاً.
ومنها الدلالة على حكمين شرعيين ولكن في حالين مختلفين: كقوله تعالى في بيان الوضوء {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} قرئ بنصب لفظ "أرجلكم" وبجرها، فالنصب يفيد طلب غسلها لأن العطف حينئذ يكون على لفظ "رؤوسكم" المنصوب، وهو مغسول. والجرُّ يفيد طلب مسحها لأن العطف حينئذ يكون على لفظ "رؤوسكم" المنصوب، وهو مغسول. والجرٌّ يفيد طلب مسحها لأن العطف حينئذ يكون على لفظ "رؤوسكم" المجرور وهو ممسوح. وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن المسح يكون للابس الخف وأن الغسل يجب على من لم يلبس الخف.