للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الوطيس استُشهد فيه كثيرٌ من قُرَّاء الصحابة وحفظتهم للقرآن، ينتهي عددهم إلى السبعين، وأنهاه بعضهم إلى خمسمائة، من أجَلِّهم سالم مولى أبي حذيفة. ولقد هالَ ذلك المسلمين، وعز الأمر على عمر، فدخل على أبي بكر وأخبره الخبر واقترح عليه أن يجمع القرآن، خشية الضياع بموت الحفاظ وقتل القراء. فتردد أبو بكر أول الأمر لأنه كان وقافاً عند حدود ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم يخاف أن يجرَّه التجديد إلى التبديل، أو يسوقه الإنشاء والاختراع، إلى الوقوع في مهاوي الخروج والابتداع.

ولكنه بعد مفاوضة بينه وبين عمر تجلَّى له وجهُ المصلحة فاقتنع بصواب الفكرة وشرح الله لها صدره، وعلم أن ذلك الجمع الذي يشير به عمر ما هو إلا وسيلة من أعظم الوسائل النافعة إلى حفظ الكتاب الشريف، والمحافظة عليه من الضياع والتحريف، وأنه ليس من محدثات الأمور الخارجة، ولا من البدع والإضافات الفاسقة. بل هو مُستمدٌّ من القواعد التي وضعها الرسول بتشريع كتابة القرآن، واتخاذ كُتَّاب للوحي، وجمع ما كتبوه عنده حتى مات صلوات الله وسلام عليه قال الإمام أبو عبد الله المحاسبي في كتاب فهم السنن ما نصُّه: "كتابة القرآن ليست بمحدثة، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بكتابته، ولكنه كان مُفرقاً في الرقاع، والأكتاف، والعسُب، فإنما أمر الصديق بنسخها من مكانٍ إلى مكان مجتمعاً، وكان ذلك بمنزلة أوراقٍ وجدت في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها القرآن منتشراً، فجمعها جامع وربطها بخيط، حتى لا يضيع منها شيء" ا. هـ.

اهتم أبو بكر بتحقيق هذه الرغبة، ورأى بنور الله أن يندب لتحقيقها رجلاً من خيرة رجالات الصحابة هو زيد بن ثابت رضي الله عنه، لأنه اجتمع فيه من المواهب ذات الأثر في جمع القرآن، ما لم يجتمع في غيره من الرجال، إذ كان من حفَّاظ القرآن، ومن كتاب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد العَرْضَة الأخيرة للقرآن في ختام حياته صلى الله عليه وسلم. وكان فوق ذلك معروفاً بخصوبة عقله، وشدة ورعه، وعظم أمانته، وكمال خلقه، واستقامة دينه. فاستشار أبو بكر عمر في هذا فوافقه. وجاء زيدٌ فعرض أبو بكر عليه الفكرة، ورغَّب إليه أن يقوم بتنفيذها فتردد زيدٌ أول الأمر ولكن أبا بكرٍ ما زال به يعالج شكوكه، ويبين له وجه المصلحة، حتى اطمأن واقتنع بصواب ما نُدب إليه، وشرع يجمع، وأبو بكر وعمر

<<  <  ج: ص:  >  >>