للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} (١) يعني مُلْكَهُم الذي هم فيه والعيش- فأبوا أن يُعطوه شيئاً مما طلب وقالوا له: اجمع لنا السحرة فإنهم بأرضك كثير حتى يغلب سحرهم سحرهما. فأرسل في المدينة فحشر له كل ساحرٍ متعالمٍ، فلما أتوا فرعون قالوا: بم يعمل هذا الساحر؟ قالوا: يعمل بالحيات، قالوا: فلا والله ما أحدٌ في الأرض يعمل السحر بالحيات والعصيِّ الذي نعملُ. فما أجرنا إن نحن غلبنا؟ فقال لهم: إنكم أقاربي وخاصتي، فأنا صانعٌ إليكم كل ما أحببتم. فتواعدوا يوم الزينة {وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى} (٢).

قال سعيد: حدثني ابن عباس أن يوم الزينة اليوم الذي أظهر الله فيه موسى على فرعون والسحرة، وهو يوم عاشوراء، فلما اجتمعوا في صعيد قال الناس بعضهم لبعض: انطلقوا فلنحضر هذا الأمر {لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ} (٣) يعنون موسى وهارون استهزاء بهما - فقالوا: ياموسى - لقدرتهم بسحرهم- {إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ} (٤)، قال بل ألقوا {فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ} (٥)، فرأى موسى من سحرهم ما أوجس في نفسه خيفةً، فأوحى الله تبارك وتعالى إليه {أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ} (٦) فلما ألقاها صارت ثعباناً عظيماً فاغرةً فاها، فجعلت العصيُّ بدعوة موسى تلبس بالحبال حتى صارت جُرزاً إلى الثعبان تدخل فيه، حتى ما أبقت عصاً ولا حبلاً إلا ابتلعته. فلما عرف السحرة ذلك قالوا: لو كان هذا سحراً لم يبلغ من سحرنا هذا، ولكنه أمر من أمر الله تبارك وتعالى. آمنا بالله وبما جاء به موسى، ونتوب إلى الله عز وجل مما كنا عليه. وكسر الله ظهر فرعون في ذلك الموطن وأشياعه، وأظهر الحق {وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ} (٧) وامرأةُ فرعون بارزة متبذلة تدعو الله بالنصر لموسى على فرعون. فمن رآها من آل فرعون ظن أنها ابتذلت للشفقة على فرعون وأشياعه، وإنما كان حُزنها وهمُّها لموسى.

فلما طال مُكثُ موسى لمواعيد فرعون الكاذبة، كلما جاءه بآيةٍ وعده عندها أنْ


(١) طه: ٦٣.
(٢) طه: ٥٩.
(٣) الشعراء: ٤٠.
(٤) الأعراف: ١١٥.
(٥) الشعراء: ٤٤.
(٦) الأعراف: ١١٧.
(٧) الأعراف: ١١٨ - ١١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>