لفظ الشمال على يد الله تعالى على المقابلة المتعارفة في حقنا، وفي أكثر الروايات وقع التحرز عن إطلاقها على الله، حتى قال:"وكلتا يديه يمين" لئلا يتوهم نقص في صفته سبحانه وتعالى، لأن الشمال في حقنا أضعف من اليمين.
قال النووي (١٧/ ١٣٢): وقال القاضي عياض: وفي هذا الحديث ثلاثة ألفاظ "يقبض، ويطوي، ويأخذ" وكله بمعنى الجمع، لأن السموات مبسوطة، والأرضين مدحوة ممدودة، ثم يرجع ذلك إلى معنى الرفع والإزالة، وتبديل الأرض غير الأرض والسماوات، فعاد كله إلى معنى ضم بعضها إلى بعض، ورفعها وتبديلها بغيرها، قال: وقبض النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه وبسطها: تمثيل لقبض هذه المخلوقات، وجمعها بعد بسطها، وحكاية للمقبوض المبسوط، وهو السماوات والأرضون، لا إشارة إلى القبض والبسط الذي هو صفة للقابض والباسط سبحانه وتعالى، ولا تمثيل لصفة الله تعالى السمعية المسماة باليد التي ليست بجارحة.
ثم قال: والله أعلم بمراد نبيه صلى الله عليه وسلم فيما ورد في هذه الأحاديث من مشكل، ونحن نؤمن بالله تعالى وصفاته، ولا نشبه شيئاً به، ولا نشبهه بشيء:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} وما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثبت عنه، فهو حق وصدق، فما أدركنا علمه، فبفضل الله تعالى، وما خفي علينا، آمنا به، ووكلنا علمه إليه سبحانه وتعالى، وحملنا لفظه على ما احتمل في لسان العرب الذي خوطبنا به، ولم نقطع على أحد معنييه، بعد تنزيهه سبحانه عن ظاهره الذي لا يليق به سبحانه وتعالى، وبالله التوفيق.
وقوله:(يتحرك من أسفل شيء منه)
أي: من أسفله إلى أعلاه، لأن بحركة الأسفل يتحرك الأعلى، ويحتمل أن تحركه بحركة النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الإشارة، ويحتمل أن يكون تحرك بنفسه هيبة لسمعه، كما حن الجذع، اهـ (شرح النووي على مسلم: ١٧/ ١٣٢ - ١٣٣).
٢٨٢٩ - * روى البخاري عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يقبِضُ الله الأرض، ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملكُ، أين مُلوكُ الأرضِ"(١).
٢٨٢٩ - البخاري (١١/ ٣٧٢) ٨١ - كتاب الرقاق، ٤٤ - باب يقبض الله الأرض يوم القيامة.