أصحابه، قال: فأتى رجلٌ من الأنصار أعرابياً، فأرخى زمام ناقته لتشرب، فأبى أن يدعه، فانتزع قباض الماء، فرفع الأعرابي خشبةً، فضرب بها رأس الأنصاري فشجه فأتى عبد الله بن أُبي رأس المنافقين فأخبره- وكان من أصحابه - فغضب بعد الله بن أُبي، ثم قال: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضو من حوله - يعني الأعراب - وكانوا يحضرون رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الطعام قال عبد الله: إذا انفضوا من عند محمد، فائتوا محمداً بالطعام فليأكل هو ومن عنده، ثم قال لأصحابه: لئن رجعتم إلى المدينة ليخرج الأعز منها الأذل - قال زيد: وأنا رِدْفُ عمي - فسمعت عبد الله، فأخبرت عمي، فانطلق فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحلف وجحد، قال: فصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبني، قال: فجاء عمي إليَّ فقال: ما أردت إلى أن مقتك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبك والمسلمون، قال: فوقع عليَّ من الهم ما لم يقع على أحدٍ قال: فبينما أنا أسيرُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، قد خففتُ برأسي من الهم، إذ أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرك أذُني وضحك في وجهي فما كان يسرني أن لي بها الخُلد في الدنيا، ثم إن أبا بكر لحقني، فقال: ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلتُ: ما قال شيئاً، إلا أنه عرك أُذُني، وضحك في وجهي، فقال: أبشر، ثم لحقني عمر، فقلت له مثل قولي لأبي بكر، فلما أصبحنا قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة المنافقين.
قال الحافظ في "الفتح" ٨/ ٤٩٥ و ٤٩٦ وفي الحديث من الفوائد: ترك مؤاخذة كبراء القوم بالهفوات لئلا تنفر أتباعهم والاقتصار على معاتبتهم وقبول أعذارهم وتصديق أيمانهم، وإن كانت القرائن ترشد إلى خلاف ذلك، لما في ذلك من التأنيس والتأليف، وفيه جواز تبليغ مالا يجوز للمقول فيه، ولا يعد نميمة مذمومة إلا إن قُصِدَ بذلك الإساد المطلق وأما إذا كانت مصلحة ترجح على المفسدة فلا.