للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حتى يظل يومه غضبان؟ فقام عمر، فأخذ رداءه مكانه، حتى دخل على حفصة، فقال لها: يا بُنية، إنك لتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان؟ فقالت حفصة: والله إنا لنراجعه، فقلت: تعلمين أني أُحذرك عقوبة الله وغضب رسوله؟ يا بنية، لا يغرنك هذه التي أعجبها حُسنها، وحُبُّ رسول الله إياها - يريدعائشة - قال: ثم خرجت، حتى دخلت على أم سلمة لقرابتي منها، فكلمتُها، فقالت أم سلمة: عجباً لك يا ابن الخطاب!! دخلت في كل شيء، حتى تبتغي أن تدخل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أزواجه؟ قال: فأخذتني والله أخذاً كسرتني به عن بعض ما كنت أجدُ، فخرجتُ من عندها. وكان لي صاحبٌ من الأنصار، إذ غِبتُ أتاني بالخبر، وإذا غاب كنت أنا آتيه بالخبر، ونحن نتخوفُ ملكاً من ملوك غسان، ذُكر لنا: أنه يريد أن يسير إلينا، فقد امتلأت صدورنا منه، فإذا صاحبي الأنصاري يدقُّ الباب. فقال: افتح، افتح، فقلت: جاء الغسانيُّ؟ فقال: بل أشدُّ من ذلك، اعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه، فقلت: رغِمَ أنف حفصة وعائشة، فأخذت ثوبي فأخرج حتى جئت، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشرُبةٍ له، يَرْقى عليها بعجلةٍ، وغلامٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس الدرجة، فقلت: قل: هذا عمر بن الخطاب، فأذن لي، قال عمر: فقصصتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث، فلما بلغت حديث أم سلمة، تبسم رسول الله صلى الله علي هوسلم، وإنه لعلى حصير، ما بينه وبينه شيءٌ، وتحت رأسه وسادةٌ من أدم، حشوُها ليفٌ، وإن عن رجليه قرظاً مصبُوراً، وعند رأسه أهبٌ معلقةٌ، فرأيت أثر الحصير في جنبه، فبكيتُ. فقال ما يبكيك؟ فقلت: يا رسول الله، إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول الله؟! فقال: "أما ترضى أن تكون لهم الدنيا، ولنا الآخرة"؟.

وفي الحديث من الفوائد: سؤال العالم عن بعض أمور أهله وإن كان عليه فيه غضاضة إذا كان في ذلك سنة تنقل ومسألة تحفظ، وفيه توقير العالم ومهابته عن استفسار ما يخشى من تغيره عند ذكره، وترقب خلوات العالم ليسأل عما لعله لو سئل عنه بحضرة الناس أنكره على السائل، وفيه أن شدة الوطأة على النساء مذموم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بسيرة (١)


= (قرظا) القرظ: ورق السلم، يدبغ به الجلود.
(مصبوراً) المصبور: لامجموع، أي: جُعل صبرة كصبرة الطعام.

<<  <  ج: ص:  >  >>