للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المجتمع العربي والإسلامي، وهم الذين يغرمون لإصلاح ذات البين، وذلك بأن يقع بين جماعة عظيمة- كقبيلتين أو أهل قريتين- تشاجر في دماء وأموال، ويحدث بسببها الشحناء والعداوة، فيتوسط الرجل بالصلح بينهما، ويلتزم في ذمته مالاً عوضاً عما بينهم، ليطفئ الثائرة، فهذا قد أتى معروفاً عظيماً، فكان من المعروف حمله عنه من الصدقة، لئلا يجحف ذلك بسادات القوم المصلحين، أو يوهن عزائمهم، فجاء الشرع بإباحة المسألة فيها، وجعل لهم نصيباً من الصدقة، ومن الجميل أن يصرح علماؤنا: أن الغارم لإصلاح ذات البين يعطى من الزكاة لسداد غريمه ولو كان هذا الإصلاح بين جماعتين من أهل الذمة.

ومثل هؤلاء المصلحين بين الناس كل من يقوم من أهل الخير في عمل مشروع اجتماعي نافع كمؤسسة للأيتام، أو مستشفى لعلاج الفقراء، أو مسجد لإقامة الصلاة، أو مدرسة لتعليم المسلمين، أما ما شابه ذلك من أعمال البر والخدمة الاجتماعية، فإنه قد خدم في سبيل خير عام للجماعة، فمن حقه أن يساعد من المال العام لها. وليس في الشرع دليل يقصر الغارمين على من غرموا لإصلاح ذات البين دون غيرهم، فلو لم يدخل أولئك في لفظ "الغارمين"، لوجب أن يأخذوا حكمهم بالقياس.

ومعنى هذا أن يعطى من استدان من أجل هذه الخدمات الاجتماعية النافعة من مال الزكاة ما يسد به دينه وإن كان غنياً، كما نص على ذلك بعض الشافعية.

وإذا كان النوع الأول قد استدانوا لمصلحة أنفسهم وأعينوا عليها، فهؤلاء قد استدانوا لمصلحة المجتمع وهم أولى بالمعونة وإذا كان الأولون لا يعطون إلا مع المجاعة. فهؤلاء يعطون ولو مع الغنى". (فقه الزكاة ٢/ ٦٣٠).

أقول: هذا مقيد بأن المتبرع لم يباشر الدفع من مال نفسه وإنما استدان ولا زال الدين عليه قائماً وفي هذا تشجيع للأغنياء أن يستدينوا لصالح مشروع خيري أو أن يتحملوا لحل مشكلة فالناس تثق بهم ولهم أن يجمعوا تبرعات لصالح وفاء هذا الدين.

ونتمنى أن توجد مجموعات من الأغنياء للقيام بمثل هذه المشروعات وإن كثيراً من الحكومات الإسلامية لتفعل هذا الشيء بالأموال التي تجب فيها الزكاة دون نية الزكاة فلو نووا الزكاة لكان ذلك مجزئاً عنهم عند الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>