للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المذكور، وأن التعبير بالشيخ والشاب جرى على الغالب من أحوال الشيوخ في انكسار شهوتهم وأحوال الشباب في قوتها، فلو انعكس الأمر لانعكس الحكم.

٣٧٨٥ - * روى مالك عن نافع- مولى ابن عمر- (رضي الله عنهم) أن عبد الله بن عمر "كان ينهى عن القبلة والمباشرة للصائم".

أقول: تأتي المباشرة بمعنى الجماع، وتأتي بمعنى مس البشرة فيما دون الجماع، وقد وردت كلمة المباشرة في القرآن وأريد بها الجماع وهو مباح في الليل محرم في النهار للصائم، وجاءت المباشرة في السنة وأريد بها مس البشرة بالبشرة فيما دون الجماع، وهي مباحة للصائم إن لم تؤد إلى محظور، وبهذه المناسبة قال ابن خزيمة رحمه الله:

"إنما خاطب الله جل ثناؤه نبيه صلى الله عليه وسلم وأمته بلغة العرب أوسع اللغات كلها، التي لا يحيط بعلم جميعها أحد غير نبي، والعرب في لغاتها توقع اسم الواحد على شيئين، وعلى أشياء ذوات عدد، وقد يسمى الشيء الواحد بأسماء، وقد يزجر الله عن الشيء، ويبيح شيئاً آخر غير الشيء المزجور عنه، ووقع اسم الواحد على الشيئين جميعاً على المباح وعلى المحظور، وكذلك قد يبيح الشيء المزجور عنه ووقع اسم الواحد عليهما جميعاً، فيكون اسم الواحد واقعاً على الشيئين المختلفين، أحدهما مباح، والآخر محظور، واسمهما واحد. فلم يفهم هذا من سفه لسان العرب، وحمل المعنى في ذلك على شيء واحد، يوهم أن الأمرين متضادان، إذ أبيح فعل مسمى باسم وحظر فعل تسمى بذلك الاسم سواء. فمن كان هذا مبلغه من العلم، لم يحل له تعاطي الفقه ولا الفُتيا، ووجب عليه التعلم أو السكت إلى أن يدرك من العلم ما يجوز معه الفُتيا وتعاطي العلم. ومن فهم هذه الصناعة علم أن ما أبيح غير ما حظر، وإن كان اسم الواحد قد يقع على المباح وعلى المحظور جميعاً فمن هذا الجنس الذي ذكرت أن الله عز وجل دل في كتابه أن مباشرة النساء في نهار الصوم غير جائز لقوله تبارك وتعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ، وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ، ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (١) فأباح الله عز وجل مباشرة النساء والأكل والشرب بالليل، ثم أمرنا بإتمام الصيام إلى


٣٧٨٥ - الموطأ: نفس الموضع السابق، وإسناده صحيح.
(١) البقرة: ١٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>