للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وعندما تجد أبا طلحة يضع الثوب أمام عينيه، ثم يتقدم ليضعه على صفية زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما وقعت عن البعير، نجد ههنا ذوقاً رفيعاً، وعندما يُتوفى ابن أم سليم ويأتي أبو طلحة يسألها عن الطفل فتقول له: هو أسكن ما كان وتتزين له حتى يواقعها ثم تتطلف بالإعلام، ثم يدعو رسول الله أن يبارك لهما في ليلتهما، فإنك تجد قمة الذوق، وعندما يُسأل العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أهو أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. يقول: رسول الله أكبر وأنا أسن تجد كذلك ذوقاً رفيعاً.

ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يربي على أنواع من الذوق الرفيع في الأسماء وفي السلوك، فهذا جانب يجب أن نعطيه أهمية في عصرنا وأن نحيي وقائعه، فالإسلام كله ذوق، فالتوحيد أعلى درجات ذوق القلب، والعبادات أعلى درجات ذوق الجسد والاستئذان والسلام ووضع اليد على الفم أثناء التثاؤب، وعلى الأنف أثناء العطاس، ورحمة الكبير للصغير وتوقير الصغير للكبير، وأن يقدم الرجل مهراً للمرأة، وأن يستأنس بين يدي ما يريد، وأن يتلطف في الخطاب، وأن يبتعد عن الكبر والخيلاء والتكلف، كل ذلك ذوق رفيع، وعلى المسلم أن ينمي حسه الذوقي، فإذا دخل على العلماء فبالأدب، وإذا سأل فبالأدب، وإذا خالط أهل الفضل فبالأدب.

* * *

في قضايا المروءات والأريحيات يذكر وفاء سول الله صلى الله عليه وسلم الذي ليس له مثيل، يذكر وفاءه لخديجة في إدامة ذكرها وإكرام صديقاتها، ويذكر وفاءه للمشركين والكافين إذا أسدوا له معروفاً، فها هو يقول يوم بدر:

١٢ - * روى أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم "لو كان المطعم بن عدي حياً وكلمني في هؤلاء النتنى لأعطيتهم له" وها هو يوصي بأقباط مصر خيراً لأن لهم رحماً وصهراً وما ذاك إلا لأن هاجر رضي الله عنها منهم، ولأن مارية القبطية رضي الله عنها منهم. ونجد وفاءه عليه السلام لأهل السابقة والمواقف، فهذا حاطب بن أبي بلتعة يعفو عنه مع عظم ما أتى


١٢ - أحمد (٤/ ٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>