للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الموطن. ويأتي أولئك الذين خفي على موسى وهارون ما اطلع الله عليه من ذنوبهم واعترفوا بها وفعلوا ما أُمروا به، فغفر الله للقاتل والمقتُول. ثم سار بهم موسى متوجهاً نحو الأرض المقدسة، وأخذ الألواح بعدما سكت عنه الغضب، فأمرهم بالذي أُمر به أن يبلغهم من الوظائف، فثَقُلَ ذلك عليهم وأبوا أن يُقروا بها. فنتق الله عليهم الجبل كأنه ظُلةٌ، ودنا منهم حتى خافوا أن يقع عليهم، فأخذوا الكتاب بأيمانهم وهم مصغون إلى الجبل والأرض، والكتاب بأيديهم وهم ينظرون إلى الجبل مخافة أن يقع عليهم، ثم مضوا حتى أتوا الأرض المقدسة، فوجدوا فيها مدينةً فيها قوم جبارون، خلقهم خلقٌ منكرٌ، وذكروا من ثمارهم أمراً عجيباً من عظمها فقالوا: {يَامُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ} (١)، لا طاقة لنا بهم، ولا ندخلها ما داموا فيها {فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} (٢)، {قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ} (٣) من الجبارين: آمنا بموسى، فخرجا إليه، فقالا: نحن أعلم بقومنا، إن كنتم إنما تخافون مما ترون من أسامهم وعدتهم فنهم لا قلوب لهم، ولا منعة عندهم فادخلوا عليهم الباب {فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ}.

ويقول ناس: إنهما من قوم موسى، وزُعم عن سعيد بن جبير أنهما من الجبابرة آمنا بموسى. يقول: (من الذين يخافون) إنما عني بذلك الذين يخافهم بنو إسرائيل {قَالُوا يَامُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (٤). فأغضبوا موسى، فدعا عليهم وسماهم فاسقين ولم يدعُ عليهم قبل ذلك لما رأى منهم من المعصية وإساءتهم حتى كان يومئذٍ فاستجاب الله له فمساهم كما سماهم موسى: فاسقين. وحرمها عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض، يصبحون كل يوم فيسيرون ليس لهم قرارٌ. ثم ظلل عليهم الغمام في التيه. وأنزل عليهم المن والسلوى، وجعل لهم ثياباً لا تبلى ولا تتسخُ، وجعل بين ظهورهم حجراً مربعاً، وأمر موسى فضربه بعصاه {فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} (٥) في كل ناحية ثلاثةُ أعينٍ وأعلم كل سبطٍ عينهُمْ


(١) المائدة: ٢٢.
(٢) المائدة: ٢٢.
(٣) المائدة: ٢٣.
(٤) المائدة: ٢٤.
(٥) البقرة: ٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>