للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم دخل، وقد اكتنفني أبواي عن يميني وعن شمالي، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، يا عائشةُ إن كنتِ قارفتِ سوءاً أو ظلمتِ، فتوبي إلى الله فإن الله يقبلُ التوبة عن عباده، قالت: وقد جاءت امرأةٌ من الأنصار، فهي جالسةٌ بالباب، فقلت: ألا تستحيي من هذه المرأة: أن تذكر شيئاً؟ قالت: فوعظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فالتفت! ُ إلى أبي: فقلت: أجِبه، قال: فماذا أقول؟ فالتفت إلى أمي فقلت: أجيبيه، فقالت: أقول ماذا؟ فلما لم يجيباه تشهدتُ فحمدتُ الله وأثنيتُ عليه بما هو أهله، ثم قلت: أما بعد فوالله، لئن قلت لكم: إني لم أفعل - والله يعلم إني لصادقةٌ - ما ذاك بنافعي عندكم، لقد تكلمتم به، وأُشربتهُ قلوبكم، وإن قلت: إني قد فعلت - والله يعلم أني لم أفعل - لتقولن: قد باءت به على نفسها، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلاً - والتمستُ اسم يعقوب، فلم أقدر عليه - إلا أبا يوسف، حين قال {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} وأُنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من ساعته، فسكتنا، فرُفع عنه، وإني لأتبين السُّرور في وجهه، وهو يمسحُ جبينه ويقول: أبشري يا عائشة، فقد أنزل الله براءتك، قالت: وكنت أشد ما كنت غضباً، فقال لي أبواي: قومي إليه، فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمده، ولا أحمدكما، ولكن أحمد الله الذي أنزل براءتي ولقد سمعتموه فما أنكرتموه ولا غيرتموه، وكانت عائشة تقول: أما زينبُ بنت جحشٍ: فعصمها الله بدينها، فلم تقل إلا خيراً، وأما أختها حمنة: فهلكت فيمن هلك، وكان الذي يتكلم فيه: مسطحٌ، وحسانُ بن ثابتٍ، والمنافق: عبد الله بن أبي بن سلول، وهو الذي كان يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره منهم هو وحمنةُ، قالت: فحلف أبو بكر ألا ينفع مسطحاً بنافعةٍ أبداً، فأنزل الله عز وجل {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ}، يعني أبا بكرٍ {يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا} يعني مسطحاً، {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (١) فقال أبو بكر: بلى والله


= (قارفتِ) المقارفة: الكسبُ والعمل في الأصل، ويقال لمن باشر معصية أو ألمَّ بها.
(وأشربته قلوبكم) أي: تداخل هذا الحديث قلوبكم، كما يتداخل الصبغُ الثوب فيشربه.
(باءت به) أي: رجعت به وتحملته.
(يستوشيه) أي: يستخرجه بالبحث عنه، والاستقصاء، كما يستوشي الرجل فرسهُ: إذا ضرب جنبيه بعقبيه ليجرين يقال: أوشى فرسهُ، واستوشاهُ.
(١) النور: ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>