واسعة كان يطرح فيها من الأنجاس ما لا يغير لها لوناً ولا طعماً ولا تظهر فيها ريح" (آثار السنن ١: ٦) قلت: وهذا لا يتصور إلا بكونها أزيد من عشر في عشر لما تشاهد في الحياض الكبيرة، أنها تتغير بإلقاء النجاسة فيها سريعاً، فلابد أن كانت بئر بضاعة أوسع وأزيد من تلك الحياض، حتى أمنت التغير بإلقاء لحوم الكلاب والحيض والنتن فيها. ويؤيده أن تلك البئر قد أطلق عليها اسم الغدير عند عبد الرزاق في مصنفه (١) عن أبي سعيد الخدري بعينه: "أن النبي توضأ أو شرب من غدير كان يلقي فيه لحوم الكلاب والجيف، فذكر ذلك، فقال: إن الماء لا ينجسه شيء" كذا في كنز العمال (٥: ١٤٠) ومع الاحتمال لا يصح الاستدلال. فحديث بير بضاعة لا يصلح متمسكاً للشافعية أصلاً.
وإنما الذي اضطرنا إلى توضيح حديث بئر بضاعة وأنه لا يمكن حمله على ظاهره مطلقاً إلا أن يكون كبيراً أو فيه ماء كثير، وأنه لا يظن بالنبي أنه كان يتوضأ من بير هذه صفته مع نزاهته وإيثاره الرائحة الطيبة ونهيه عن الامتخاط في الماء والبول في الماء الراكد فدل أن ذلك كان في الجاهلية فشك المسلمون في أمرها، فبين أنه لا أثر لذلك مع كثرة النزح) ا. هـ الإعلاء ١/ ١٧٨.
ثم ما اتفق عليه الفقهاء وأجمعوا من أحكام حول المياه وطهارتها وما ينجسها قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة، فغيرت للماء طعماً أو لوناً أو رائحة، أنه نجس ما دام كذلك) فالتغير المذكور في بئر بضاعة ينبغي ألا يكون تغيراً بنجس حتى يجوز الوضوء منه، أما إذا وقعت النجاسة في الماء فلم تغير له لوناً أو طعماً أو ريحاً، فالعبرة عند الفقهاء لجريانه أو لكثرته، والمالكية يرون أن ما كان قدر آنية الوضوء أو الغسل فما دونهما قليل، وعندئذ فهم يحكمون بكراهة الماء فقط إذا حلت فيه نجاسة قليلة كالقطرة ولم تغيره، ولا كراهة فيما زاد على ذلك، والشافعية والحنابلة يعتبرون أن ما كان دون القُلَّتين فهو قليل ينجس إذا وقعت فيه نجاسة ولو لم تغير أحد أوصافه، والحنفية يرو أن ما كان دون عشرة أذرع في عشرة فهو قليل ينجس ولو بقطرة نجاسة، وينبغي أن يكون عمق الماء إذا بلغ عشرة في عشرة - ليعتبر كثيراً لا تؤثر فيه النجاسة أنه لو اغترف منه المغترف لا يرى قعره، على أنهم يختلفون فيما لو كان الماء سطحه دون العشر