للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعظمُ المسلمينَ في المسلمينَ جُرماً من سأل عن شيءٍ لم يكنُ حُرِّمَ، فحُرِّمَ من أجل مسألته".

قال البغوي: المسألة وجهان. أحدهما: ما كان على وجه التبيُّنِ والتعلم فيما يُحتاج إليه من أمر الدين، فهو جائز مأمور به، قال الله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) [النحل: ٤٣] وقال الله تعالى: (فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك) [يونس: ٩٤] وقد سألت الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم مسائل، فأنزل الله سبحانه وتعالى بيانها في كتابه، كما قال الله عز وجل: (ے ےيسألونك عن الأهلة) [البقرة: ١٨٩] (ويسألونك عن المحيض) [البقرة: ٢٢٢] (يسألونك عن الأنفال) [الأنفال: ١].

والوجه الآخر: ما كان على وجه التكلُّفِ، فهو منكروه، فسكوت صاحب الشرع عن الجواب في مثل هذا زجرٌ وردع للسائل، فإذا وقع الجوابُ، كان عقوبة وتغليظاً.

والمراد من الحديث هذا النوعُ من السؤال، وقد شدد بنو إسرائيل على أنفسهم بالسؤال عن وصفِ البقرة مع وقوع الغُنيةِ عنه بالبيان المتقدم، فشدد الله عليهم.

قال سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عُبيد بن عمير، قال: إن الله أحل حلالاً، وحرم حراماً، فما أحل، فهو حلال، وما حرم، فهو حرام، وما سكت عنه، فهو عفوٌ. قال سفيان: يريد قوله سبحانه وتعالى: (لا تسألوا عن أشياء) [المائدة: ١٠١].

وروى عن ابن عمر أنه سُئل عن شيء، فقال: لا أدري، ثم قال: أتريدون أن تجعلوا ظهورنا جُسوراً لكم في نار جهنم أن تقولوا: أفتانا ابنُ عمر بهذا. شرح السنة ١/ ٣١٠.

أقول: كان هذا في زمن النبوة أما الآن فلم يعد هناك تشريع مستقل إلا أننا نأخذ من الحديث أدباً: أن الإنسان في حياته العملية لا يكثر من سؤال من تلزم طاعته ولا يثير من المسائل أمام الأمراء ما يترتب عليه مشقة لنفسه أو للناس.


= (الجرم): الذنب.

<<  <  ج: ص:  >  >>