الإجماع الثابت) وبن قول الجمهور، فخلاف مالك للجمهور مشهور في مسائل ترك العمل بالحديث الصحيح والذي قد يرويه هو أحيانًا -رحمه الله- لمخالفة ظاهره عمل أهل المدينة، وكذلك خلاف أبي حنيفة -رحمه الله- تعالى للجمهور مشهور في مسائل ترك العمل بالحديث الثابت لمعارضته عموم نص قرآني، أو غير ذلك من خلاف بعض الأئمة المجتهدين للجمهور لبعض ما ذكرته.
[مسائل الجمهور والقوة الكامنة في قول الأكثر والأغلب]
رابعًا: وهذا أمر تشهد له العقول، ويرتاح له النظر، وهو أن القوة في القول والسلامة في الرأي هي في الغالب في جانب الأكثر والأغلب ما دامت قضية تقبل الخطأ والصواب، وهو أمر لا ينحصر في مسائل الفقه المختلف فيها، وإنما هو أمر عام في كل مسألة أو قضيةٍ تحتمل أكثر من رأي كونها ليست من قواطع العارف ولا من ثوابت الأمور، فما جلس جماعةً من الناس يناقشون مسألة مما يصح فيها القبول والرفض، أو الإقدام والإحجام، أو الصحة والفساد، أو غير ذلك من الأضداد وانفض مجلسهم عن ذهاب أكثرهم إلى كذا، إلا رأيت المطَّلع عليهم بداهةً يذهب في الغالب إلى الوقوف عند هؤلاء الأكثرين والأخذ برأيهم إذا ما توفر في هؤلاء المجتمعين شرطان أساسان النزاهة والأهلية، فإذا عدت أيها القارئ الفطن إلى مسائل الفقه الظنية، وهي التي تقبل الاختلاف وتعدد الآراء فلن تجد الأمر يعدو ما ذكرناه في جملته؛ والله تعالى أعلم وأعز وأحكم.
[عودة إلى بيان أهمية موسوعة "مسائل الجمهور"]
[مسائل الجمهور "والحديث الضعيف"]
لقد كان موقف بعض الأئمة من الحديث الذي قصر إسناده عن إلحاقه بمرتبة "المقبول"(١) أنهم اعتبروا أمورًا لتقوية العمل بهذا الحديث والأخذ به، منها أن يقول
(١) ينقسم الحديث النبوي على صاحبه الصلاة والسلام من حيث الاعتداد به في الأحكام الشرعية العملية إلى قسمين رئيسين الأول: المقبول ويبدأ بالحديث الحسن لغيره وينتهي بالمتواتر لفظًا، الثاني: المردود ويبدأ بالمرسل وينتهي بالموضوع، وبين تلك المراتب مراتب مذكورة في مظانها من كتب علم الحديث.