(٢) لم يَفُتْ علماءنَا شأن الشواذ في المجتمع فضبطوا أحوالهم وتكلموا في أحكامهم المتعلقة بجميع أمور حياتهم ومماتهم، وهؤلاء هم الشواذ خِلْقةً وطبيعةً في أنهم خُلِقُوا هكذا فلا اختيار لهم ولا قصد فاهتم الإسلام بهم واعتبرهم جزءًا من المجتمع. لهم حقوق وحظوظ وعليهم واجبات ومسؤوليات، وهو سبق تشريعي وسبق مدني لم يصل إليه مجتمعٌ قبل الإسلام ولا بعده، فهذا في ما يتعلق بمن خلقه الله تعالى تقديرًا ومشيئة مخالفًا لما هو الأصل في الطبائع والتركيب العضوي فكان الإسلام به رحيمًا عادلًا، وأما أولئك الذين خلقهم الله تعالى أسوياء ثم إنحرفت بهم غرائزهم وشهواتهم عن الطبع السويّ قصدًا واختيارًا فهؤلاء جعلهم الإسلام في أحط الدركات واعتبرهم فرعًا خبيثًا خرج عن أصله وداء شيطانيًا يكاد يذهب بالمجتمع كله. فلا رحمة ولا رأفة، ولا حساب لهم في المجتمع ومرافقه بل هم عارٌ وضرر لابد من التعامل معه بالقسوة والشدة بالقدر الذي تتطلبه الرغبة الصادقة والهمة الحازمة في الحفاظ على المجتمع المدني المتحضر ومعالمه. فإذا انقلب الحال وانعكست المفاهيم فصار الخارج عن المألوف معروفًا والمتعدي على الفطر والسنن سويًا لا عيب فيه فهذا لعمر الحق ارتكاسة وانتكاسة في النفس البشرية والطبيعة الإنسانية وهذا ما حفظ الله تعالى منه المجتمعات الإسلامية على تخلفها المادي، لكنها بقية هذا الدين لا زالت تفعل فعلها رغم أعاصير العداوة لهذا الإسلام لتثبت أنه دين الله تعالى الذي إرتضاه ربنا لنا وللناس أجمعين لتجتمع لنا الإنسان عناصر سعادته وأسباب أمنه ونجاته في الدنيا والآخرة.