الحمد لله دائم الفضل والإنعام والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للأنام سيدنا محمَّد وآله الطيبن وأزواجه الطاهرات وصحابته الكرام ومن تبعهم بإحسان على الدوام من السلف الصالح والخلف العظام المبتغين وجه مولانا ذي الجلال والإكرام وبعد.
فهذا كتابنا "موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإِسلامي" قد شاء ربنا -عز وجل- أن يرى النور بعد إذ ظل حبيس الخزائن والأوراق أكثر من سبعة عشر عامًا فلله الحمد والشكر على ما أنعم وأتم.
[الباعث على تأليف هذا الكتاب]
لقد كنت وما زلت أعتقد أنَّ الفقه الإِسلامي هو حياة الأمة ومبعث المتقدم والتحضر فيها بل هو عندي ميزان قوتها وضعفها ومؤشر عزَّتها وهوانها ...
إن الفقه الذي أعنيه ليس كتابًا ودرسًا أو محاضرةً وندوةً ولا حتى استفتاءً وفتوى وحسب، بل هو قبل ذلك علم وعمل ومعرفة وأخلاق، وأعظم من ذلك كله دستور وقانون وحاكم وسلطان ... إنه بكلمةٍ مختضرةٍ هوية شعبٍ وكيان أمة .... إنه كتاب ناطق وسنَّة ماضية ... إن الفقه يا أحبتنا .... القرآنُ الكريمُ بسوره وآياته وعبره وعظاته، وأمره ونهيه .... إنه سنة الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بكل ما فيها من حب ورحمة وأدب وتواضعٍ وهدًى ورشاد ....
[الناقلون لهذا العلم]
وإذا كان الفقه بهذا المعنى الكبير فلابد أن يتناسق حاملوه وناقلوه مع ما ذكرناه .... نعم أيها القراء الأعزاء .. إنهم العلماء والفقهاء .. إنهم ورثة الأنبياء، وطريق الأولياء .. تلقٍ وإسناد وزهدٌ وعزوفٌ وعزة واستغناء، وخضوع وإِخباتٌ ... وصدق وإباء .. إنها بعض صفات الناقلين لهذا العلم الجليل ... ولو أنك رأيت الفقه الإِسلامي وقد تخلَّفت عنه بعض معانيه التي ذكرنا أو بعض صفات حامليه وناقليه التي إليها نوَّهنا وأشرنا فاعلم أنه ليس هو الفقه الذي أراده النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله:"من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين" ... نعم ليس هو الفقه ذاك .. إن فقهًا تُباع به الأديان. وتشتري به الذمم أو فقهًا تُطرق به أبواب الدنيا ويتلهى به عن الآخرة. ليس هو فقه الإِسلام والدين الذي ذكره