الموسوعة، أجمع المترجمون لهذا الإِمام الجليل على سعة اطلاعه وأمانته ونزاهته ودقة نقله حتى صار عمدةً في شيئين أحدهما أعظم من الآخر، الأول: حكايته الإجماع، والثاني: نقل مذاهب الفقهاء وخاصةً مذهب الجمهور والعامة منهم، مع تحفظنا على بعض الناقلين عنه لبعض مسائل الإجماع؛ فقد ثبت لدينا أن بعضها لا يسلم من وجود المخالف المعتبر خلافه (١) وليس على ابن المنذر رحمه الله تعالى في هذا مأخذ، فقد كان دقيقًا في عبارته التي يستعملها ويصدر بها نقله للإجماع وغيره، فهو يقول:"أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، وأجمع أكثر من نحفظ عنه من أهل العلم""وأكثر من نحفظ عنه من أهل العلم" "وبه يقول عوام أهل العلم، ولا أحفظ عن غيرهم خلاف قولهم، وهذا قول كل من أحفظ عنه من أهل العلم. وغير ذلك من العبارات التي تترك مكانًا ولو صغيرًا لمن قد يثبت خلافه ممن لم يصل علمه لابن المنذر رحمه الله تعالى، فإذا قال -رحمه الله- أجمع أهل العلم، فعضَّ على ذلك بالنواجذ في الغالب، والله تعالى أعلم، رحمه الله تعالى ابن المنذر وجزاه عنا وعن الإِسلام خير الجزاء.
قاضي القضاة الإِمام الكبير أبو الحسن الماوردي (٣٦٤ هـ - ٤٥٠ هـ)
لا أظن أن أحدًا قرأ لهذا العَلَم الكبير إلا وشُغف به حبًّا -رحمه الله-، وكأنه موسوعة في الفقه والأخلاق معًا, ولِمَ نقول كأنه بل هو كذلك ولا نزكِى على الله تعالى أحدًا، فهو عمدة في نقل مذاهب الفقهاء عامة وجمهورهم خاصة وقيل الأمر نفسه في حكايته الإجماع، وحكاية أقاويل من شذَّ عن جمهور أهل العلم وعوامهم مع القصد في تخطئة المخالفين والأدب الجم في حكاية أقاويلهم وأدلتهم وهو منفرد مستقل بالنقل عن الأئمة والفقهاء صاحب إسنادٍ ورواية، ناقدٌ للأخبار والآثار, خبير في مذهب الشافعي ونصوصه، بحر في معرفة المذاهب والآراء، صاحب إنصاف وأمانة، هو عندي أجلُّ وأقدم من اعتنى بنقل مذاهب الفقهاء وأقاويلهم بعد ابن المنذر قرأ ودرس وصنَّف
(١) انظر موسوعة الإجماع (ج ١ ص ٣٤٤ فقرة (٢٤) سرقة). فقد نقل صاحب الموسوعة عن ابن المنذر الإجماع على أن سرقة العبد الصغير توجب القطع، ومع أن صاحب الموسوعة نقل قريبًا من عبارة ابن المنذر في أنه إجماع من يحفظ عنه من أهل العلم، ومصدره في ذلك المغني لابن قدامة، والمحلى لابن حزم، إلا أنه أثبتها في موسوعته على أنها من مسائل الإجماع دون ذكر لمن خالف فيها مع وجود خلاف أبي يوسف -رحمه الله- صاحب أبي حنيفة وهو مذكور في المغني نفسه. انظر مغني في ج ١٠ ص ٢٤٥.