للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذلك اتفاف الخلفاء الراشدين أو اتفاف أهل الحرمين أو اتفاق أهل المدينة أو اتفاق أكثر أهل العلم فكل ذلك لا يُعَدُّ إجماعًا على التحقيق في مذهبنا ومذهب جمهور أهل العلم من الأصوليين والفقهاء، وهذا النوع من إجماع المُدَّعى أكثر من الإجماع المتفق عليه الذي ذكرته أولًا وقد شكلت مسائل هذا النوع من الإجماع (أعني الإجماع المدعى) أكثر مادة "موسوعة الإجماع في الفقه الإِسلامي" للشيخ الفاضل الأستاذ "سعدي أبو حبيب". أجزل الله مثوبته مما جعل موسوعته مزيجًا وخليطًا من مسائل الاتفاق ومسائل الاختلاف، بل حتى مسائل مقطوع بالإجماع فيها. ومسائل مقطوع بالخلاف فيها وقد صرح هو حفظه الله بهذا المزج في مقدمة كتابه، إلا أنه يعاب على المصنف أكرمه الله تعالى أنه لم يلتزم بالتمييز بين المسائل التي ثبت فيها الإجماع أو صحَّ وبين المسائل التىِ ثبت فيها الخلاف المعتبر؛ بل وفي كثير من الأحيان المسائل التي اشتد فيها الخلاف.

فإن قال قائل: لكن المصنف لم يلتزم بتعريف معين للإجماع كما ذكرت، وكما بين هو فلا يصح أن ينازع فيما أدخله في كتابه في شتى أنواع الإجماع.

والجواب: أن هذا التوجيه لا يصح لأن المصنِّف حفظه الله تعالى قد فسح المجال في هامش كتابه لنقد بعض المسائل التي ادُّعِيَ فيها الإجماع لعدةٍ من الأئمة، وكان معظمها من نصيب ابن حزم الأندلسي -رحمه الله- تعالى، ومن كتابه "نقد مراتب الإجماع" لكن الشيخ سعدي حفظه الله كما قلت لم يلتزم بهذا المنهج في كثير من المسائل التي ثبت فيها الخلاف؛ بل والخلاف الشديد في بعض الأحيان، وكان من اليسير على الشيخ أكرمه الله أن يثبت هذا الخلاف في هامش كتابه؛ لأن هذا الخلاف موجود في نفس المصدر، وفي نفس الصحيفة في بعض الأحيان التي نقل منها أو منه المسألة التي ادعِيَ فيها الإجماع (١)، وهذا عندي خلل يذهب بفائدة كبرى من فوائد تلك الموسوعة وهي التمييز بين ما لا يجوز فيه الخلاف ولا الاجتهاد، وبين ما يجوز فيه ذلك، وبين ما ليس فيه سعة للناس وبين ما لهم فيه سعة وبحبوحة يستوي في هذا الأمر الأخير العامةُ والخاصةُ، وهناك أمور أخرى تؤخذ على موسوعة الإجماع ليس هذا مجال بسطها الآن (٢).


(١) انظر (يمين) (١٠) ح ٢ [ي ٩/ ٥٢٠ م ١١٣٣] وانظر (بيع) (٤٩) فقره (٢) ح١ [ب ٢/ ١٥٧ م ٤٢٥ ن ٥/ ١٤٩] وراجع مج ح ٦ ص ٣١٧. مغ ح ٤ ص ٢١٦. وانظر (مواريث (١٥١) ح ٢ [ي ٦/ ٢٨٣ - ٢٨٤].
(٢) إلا أن هذا الذي ذكرته لا يقلل من شأن الجهد الذي بذل في تلك الموسوعة بل نحن لازلنا ندعو لمصنفها ونذكره بالخير والثناء والحسن ونعترف له بالجميل، تقبل الله منا ومنه آمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>