للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا انضاف إلى إتقان معرفة المخارج وصفاتها حسن الصّوت، وجودة الفكّ، وذرابة اللسان، وصحّة الأسنان، كان غاية في الإحسان، ولا يخفى أنّ النّفوس لها حظّ من الأصوات الحسنة، فإذا جليت ألفاظ القرآن العزيز بالأصوات الطّيّبة، مع مراعاة قوانين التّرتيل على الأسماع، تلقّتها القلوب، وأقبلت عليها النّفوس وربّما أثمر ذلك تدبر آياته، والتّفكر في غوامضه، والتّبحر في مقاصده، فيحصل له حينئذ الامتثال لأوامره، والانتهاء عن مناهيه، والرّغبة في وعده، والرّهبة من وعيده، والطّمع في ترغيبه، وهذه فائدة مشروعية الإنصات إلى التّلاوة في الصّلاة وغيرها، وسقوط السّورة عن المأموم في الجهرية، ومن ثمّ طلب تحسين الصّوت بالقراءة مع إقامة رسوم تجويدها، والوقوف مع مرسوم تحديدها، وقد كثر في القرآن ختم فواصله بحروف المدّ واللين وإلحاق النّون (١).

قيل: وحكمته: وجود التّمكن من التّطريب بذلك، كما قاله بعضهم، وللنّاس في هذه المسألة قديما وحديثا خلاف طويل، وكلّ رأى رأيا بحسب ما فهمه من المروي في ذلك، وأدّى إليه اجتهاده، وقد أومأت لشيء من ذلك في كتابي (المنح المحمدية) (٢) على صاحبها أفضل الصّلاة والسلام وأشير هنا إلى نبذة من ذلك تكشف عن ما هنالك فأقول، وبالله أستعين: روينا عن أبي هريرة أنّ رسول الله قال: لم يأذن الله لشيء ما أذن للنبي يتغنّى بالقرآن" (٣)، وعنه أيضا مرفوعا: "ما أذن الله لنبي ما أذن للنبي أن يتغنى بالقرآن قال سفيان: تفسيره: يتغنى به رواهما البخاري، وفي رواية له: "من لم يتغن بالقرآن فليس منا" (٤)، وهو في السّنن من حديث سعد بن أبي وقاص وغيره، قال في (فتح الباري): قوله في الحديث الأوّل: "لشيء" هو بشين


(١) التمهيد: ٧٤.
(٢) المواهب اللدنية بالمنح المحمدية ٤/ ٤٩٤ وما بعدها.
(٣) البخاري "٥٢٢٣ و ٧٤٨٢ (٥٠٢٤)، ٧٥٤٤)، مسلم" ١٧٩٥.
(٤) بهذا النص في مسند أبي يعلى (٤٧٥٥) وفيه ضعف كما قال محققه حسن أسد، والحديث في صحيح البخاري ٩/ ١٨٨ (٧٥٢٧) وغيره: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن".

<<  <  ج: ص:  >  >>